“يلا بينا نغير جو”، جملة اعتاد الأب أن يقولها لأسرته، لكن مش بشكل أسبوعي زي زمان، دلوقتي بقت مرة كل شهر بعد نزول المرتب. زوج، زوجة، وأربعة أبناء، خططوا هذه المرة لزيارة ممشى أهل مصر: نزهة قصيرة على النيل، متعة المشي في الهواء، وعشاء خفيف من الفول والطعمية، أكلتهم المفضلة والأرخص. لكن المفاجأة كانت أن “الخروجة البسيطة” كلفتهم ما يقرب من 1100 جنيه، لتصبح مثالًا حيًا على كيف غيّر التضخم شكل الحياة اليومية للأسر المصرية.
البداية.. قرار بسيط بتكلفة معقدة
المسافة بين منزل الأسرة والممشى حوالي 20 كيلومتر. الاختيار كان بين السيارة الخاصة أو المواصلات الداخلية. الأب قرر الاعتماد على وسيلتين: أتوبيس بتذكرة 30 جنيه للفرد (180 جنيه للأسرة كلها)، ثم مواصلة داخلية للوصول للممشى بحوالي 40 جنيه للرحلة الواحدة للأسرة كلها. وبكده ارتفع الحساب لمواصلات الذهاب والعودة إلى نحو 440 جنيه.
تذاكر الدخول.. البداية الرسمية للفاتورة
ممشى أهل مصر ينقسم إلى مستويين: العلوي مجاني، بينما السفلي المطل على النيل مباشرة يحتاج لتذكرة دخول قيمتها 20 جنيه للفرد.
مع ستة أفراد، وصلت التكلفة إلى 120 جنيه فقط لبدء الجولة.
المشي على النيل.. متعة قصيرة يعقبها الجوع
الأجواء كانت ساحرة: أنوار القاهرة تنعكس على سطح المياه، الأطفال يلتقطون الصور بهواتفهم، والزوجة تبتسم في رضا. لكن مع مرور ساعة واحدة، الجوع أصبح ضيفًا على الرحلة.
العشاء.. “فول وطعمية” لم يعودا شعبيين
الخطة كانت واضحة: وجبة شعبية خفيفة، بعيدًا عن الكافيهات والمطاعم غالية الثمن، لكن الأسعار لم تعد كما يتذكرها الأب.
سندوتش الفول: 15 جنيه
سندوتش الطعمية: 13 جنيه
زجاجة المياه الصغيرة: 10 جنيه
بطاطس: حوالي 35 جنيه
الطلب النهائي: 36 سندوتش (فول وطعمية) + مياه + بطاطس، بإجمالي يقارب 555 جنيه، ومع إضافة آيس كريم للأطفال الأربعة (120 جنيه)، ارتفع المبلغ ليصل إلى أكثر من 675 جنيه على “وجبة شعبية”.
العودة إلى البيت.. الفاتورة تتضح
مع انتهاء الجولة، استقلت الأسرة نفس خط المواصلات الداخلية والأتوبيس بتكلفة 220 جنيه (ذهابًا) و220 جنيه (عودة)، ليكتمل حساب الرحلة.
الحصيلة النهائية
مواصلات داخلية + أتوبيس: 440 جنيه
تذاكر دخول: 120 جنيه
وجبة فول وطعمية ومشروبات: 555 جنيه
آيس كريم: 120 جنيه
الإجمالي = حوالي 1,100 جنيه
من البساطة إلى الرفاهية.. التضخم يغير المعادلة
زمان، كان التمشية على الكورنيش أو عشاء الفول والطعمية عنوانًا للبَساطة، لا تتجاوز تكلفته بضعة جنيهات، أما اليوم، فقد تحوّل إلى “رفاهية” تحتاج ميزانية، ليس بسبب التغيير في العادات، ولكن بسبب التضخم الذي طال كل شيء: المواصلات، الأكل، المشروبات، وحتى التذاكر.
بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ معدل التضخم السنوي في المدن المصرية نحو 12% في أغسطس 2025، ورغم أنه أقل من معدلات سابقة، إلا أنه ما زال يضغط بشدة على ميزانيات الأسر. هذا الضغط لا يظهر فقط في أسعار السلع الأساسية، بل يمتد حتى إلى أبسط وسائل الترفيه، لتصبح “خروجة فول وطعمية” عبئًا اقتصاديًا حقيقيًا.
الخلاصة
رحلة أسرة مكونة من ستة أفراد إلى ممشى أهل مصر تكلفت 1,100 جنيه في ساعتين، مشهد بسيط لكنه يعكس سؤالًا أعمق: هل صار التنزه على النيل والأكل الشعبي رفاهية بعيدة عن متناول الأسر المتوسطة؟