لا تقتصر جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة على القتل المباشر للمدنيين من أطفال ونساء وشباب، بل تتجاوزها إلى جريمة أعمق وأكثر قسوة، هي إبادة مستقبلية للأجيال، إذ يُستهدف الرحم والطفولة قبل أن يُولد أصحابها عبر عدة وسائل، أبرزها: التجويع – القصف المتعمد للمستشفيات – واستهداف النساء الحوامل، إنها حرب ممتدة عبر الزمن، تهدد وجود الشعب الفلسطيني كله، وتفتح بابًا جديدًا للنقاش حول تعريف “الإبادة الجماعية”.
مخطط الاحتلال الإسرائيلي هو تنفيذ إبادة جماعية ليس فقط في الحاضر بل أيضًا للمستقبل، طوال فترة الحرب استهدفوا الأطفال والنساء والشباب، قصفوا المستشفيات التي تضم الأمهات والأطفال، هذه ليست حربًا عابرة، بل مخطط مدروس للقضاء الكامل على الشعب الفلسطيني، حسبما قالت المستشارة سناء السعيد، عضو المجلس القومي للمرأة.
كما أن سياسة التجويع والحرب الشرسة تعني إبادة كاملة للأرحام والنساء والأطفال والشباب، وأن سكوت العالم على هذه الجرائم يجعل المجتمع الدولي شريكًا في الجرم ضد غزة، وما يجري يعتبر جريمة حرب ممنهجة ضد البشرية، لأنها إبادة حالية ومستقبلية، والاحتلال يسعى لحرمان الشعب الفلسطيني من حقه في الوجود والإنجاب والحياة، وفق تصريحات المستشارة سناء السعيد لـ “القصة”.
قتل الأمهات والأطفال وحتى الأجنة في أرحام أمهاتهم جريمة ضد الإنسانية ويجب أن يكون هناك رادع دولي لإسرائيل وأمريكا، خاصةً أنه يجب اتخاذ موقف حازم لوقف هذه الحرب غير المتكافئة ضد الشعب الأعزل وأنه يجب على منظمات حقوق الإنسان، والدول الحرة، ونساء العالم جميعًا أن يتحدن لإيقاف الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، الشعوب تتحرك بالفعل عبر المظاهرات، لكن الحكومات ما زالت تغض الطرف، وتساءلت عضو القومي للمرأة: لمصلحة من يتم الصمت على هذه الجرائم؟
ووفقًا لأحدث تقارير الأمم المتحدة ومنظمات صحية، أشارت إلى أن عدد الضحايا من النساء والأطفال في غزة منذ بداية الحرب تجاوز 63 ألف شهيد منذ أكتوبر 2023، غالبيتهم من النساء والأطفال.
تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نوه إلى أن النساء يمثلن نسبة كبيرة من الضحايا، بينما قالت UN Women إن أكثر من 28 ألف امرأة وفتاة قُتلن منذ بداية الحرب، بمعدل امرأة واحدة في الساعة تقريبًا.
نسب سوء التغذية بين النساء الحوامل والأطفال
وبحسب منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن نسبة الأطفال دون سن الخامسة المصابين بسوء التغذية الحاد وصلت إلى حوالي 20%، مع دخول “مناطق الجوع” إلى نطاقات واسعة من غزة، كما تبين أن 20% من النساء الحوامل يعانين من سوء التغذية أيضاً.
تقرير Médecins du Monde، ذكر أن 19% من النساء الحوامل والمرضعات وواحد من كل أربعة أطفال تحت سن سنة واحدة يُعانون من سوء تغذية حاد.
منظمة UNICEF أوضحت أن نحو 1 من كل 6 أطفال دون سنتين في شمال غزة يعاني من سوء تغذية حاد، منهم 3% يعانون من هزال حاد.
هاني الجمل: إسرائيل تمارس إبادة جماعية والمجتمع الدولي شريك
بدوره، علق الدكتور هاني الجمل، رئيس وحدة الدراسات الأوروبية والاستراتيجية بمركز العرب، أن ما تشهده غزة اليوم لا يمكن وصفه إلا بالإبادة الجماعية مكتملة الأركان، مشيرًا إلى أن إسرائيل لا تكتفي بقتل المدنيين بالقصف، بل تمارس سياسة منهجية للتجويع والحرمان من الغذاء والدواء، بما يدمر الحاضر ويقضي على مستقبل الفلسطينيين.
تعطيل العمل الإنساني واستهداف المدنيين
إسرائيل أوقفت أكثر من 100 منظمة إنسانية كانت تعمل في غزة، وحصرت توزيع المساعدات في 4 مراكز فقط، ثم استهدفت المدنيين خلال تجمعهم للحصول على الطعام، ما أدى إلى مقتل أكثر من ألفي فلسطيني، مضيفا أن هذه الممارسات ترسخ مفهوم “الهندسة التجويعية” كجزء من استراتيجية الإبادة، وفق تصريحات الجمل.
استهداف الأمهات والأطفال
منع إدخال لبن الأطفال، ونقص الغذاء للأمهات، وغياب الحضانات والرعاية الطبية، أدى إلى تفشي الأمراض وسوء التغذية بين الأطفال، موضحا أن هذه ليست جريمة آنية فحسب، بل إبادة تمتد عبر الأجيال، واصفا إياها بـ إبادة لمستقبل الفلسطينيين.
ازدواجية معايير المجتمع الدولي
وفي انتقاده للموقف الدولي، قال الجمال: رغم أن المجتمع الدولي وصف ما يحدث بدقة على أنه إبادة جماعية، فإنه عاجز عن وقف التحالفات السياسية والاقتصادية، والدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، ما جعل من القانون الدولي مجرد حبر على ورق.
تقويض الاتفاقيات الدولية
إسرائيل أجهضت اتفاقيات السلام مثل أوسلو 1993 والملحق الأمني 2005 و2015، وانتهكت معاهدات دولية كاتفاقية جنيف، كما تجاهلت قرارات المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة نتنياهو، بل وجد الأخير من يستقبله مثل المجر، وهو ما يعكس تعطيل العدالة الدولية، وفق رأي رئيس وحدة الدراسات الأوروبية والاستراتيجية.
معايير مزدوجة في الغرب
الغرب يتعامل بازدواجية صارخة؛ في أوكرانيا والبوسنة فُرضت عقوبات شاملة وحوكم القادة، بينما تُترك إسرائيل لتتمادى في جرائمها بدعم أمريكي سياسي وعسكري، بهذا أدان الجمال ازدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب مع الشرق.
الموقف العربي والمصري
وفي إشادة بالموقف المصري، أكد الجمل، أن مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي وقفت سدًا أمام محاولات التهجير القسري والطوعي للفلسطينيين، رافضة أن تتحمل وحدها عبء القضية أو تُفرض عليها حلول تمس أمنها القومي.
وفي ختام حديثه: لا بد من تحرك عربي وإسلامي موحد، يستثمر أوراق الضغط الاقتصادية مثل الطاقة وسلاسل الإمداد، لفرض معادلة جديدة أمام الدول الداعمة لإسرائيل وإلا سيظل المجتمع الدولي شريكًا في هذه الجرائم بالصمت والتواطؤ.
