هنا القاهرة.
لسنوات تجاورت الشاشات مع الخوف، وأحاطت بالعمل الصحفي قيود لا تتنتهي.
اليوم شكل الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء لجنة لتطوير الإعلام.
67 شخصية صحفية وإعلامية دورها بحسب القرار تطوير العمل الصحفي ووضع رؤية لمستقبله.
من حيث المبدأ فإن قرار تشكيل اللجنة يحمل نية طيبة، ويبعث شيئًا من الأمل في نفوس العاملين في مهنة تعاني الاختناق منذ بضع سنوات
اللجنة يرأسها المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وتحمل على عاتقها مهمة تبدو ثقيلة.
في قياس ما تنتجه اللجنة للمشهد الإعلامي، وما يمكن اعتباره نجاحًا هناك معياران أساسيان: الحريات والتشريعات.
الحرية أولًا
لا يبدأ التطوير إلا من الحرية.
هذه حقيقة مؤكدة.
أي تطوير أو سعي لرسم خريطة طريق لمستقبل المهنة لا يبدأ بإطلاق حرية الكتابة والنشر والتفكير، ولا يمنح الصحافة والإعلام حقهما في النقد والمساءلة والمكاشفة لا يمكن اعتباره تطويرًا جادًا.
سيتحول وقتها من رغبة في التطوير إلى حالة من التجميل.
أملنا أن يكون دور اللجنة الرئيسي هو دفع المشهد الإعلامي خطوات مهمة للأمام.
والبداية من الحريات الصحفية، فالصحافة مهنة لا تعيش إلا بها.
والإعلام ليس شاشات حديثة واستوديوهات باردة الأضواء بل هو روح تعيش وتتنفس بالحرية وبالقدرة على النشر وطرح الأسئلة والاشتباك مع القضايا الكبرى.
في قلب قضية الحرية والتطوير والمستقبل يجب الإيمان أن لهذه المهنة أبناء، وهم الأولى بالعمل على قيادتها وتطويرها دون أي تدخل خارجي، فأهل مهنة الإعلام أدرى بشعابها، وكل يد تمتد إلى المهنة من خارج أبنائها هو خصم مؤكد من تطورها وحاضرها ومستقبلها.
ثم أن حسن النوايا باتجاه التطوير يتأكد بإطلاق سراح كل السجناء من الصحفيين، وهم بحسب نقابة الصحفيين 24 صحفيًا، مع ملاحظة أن هناك تقديرات أخرى تصل بالعدد إلى أكثر من ذلك.
التشريعات.. تعديل واستحداث
التشريعات هي الجدار القانوني للمهنة.
فإما أن تدفعها للأمام أو أن تضيف مزيدًا من القيود والحصار.
القانون 180 لسنة 2018 تحوّل في بعض نصوصه -بعد سنوات من الممارسة- إلى سيف مسلط على الكلمة والصورة والعمل الصحفي والإعلامي بشكل عام.
بكلمات فضفاضة تسكن النصوص يمكن الانتقال بالصحفيين والإعلاميين من مكاتبهم إلى أقرب محكمة.
الكراهية والعنصرية والإباحية ومعاداة الديمقراطية مصطلحات تتسع لكل شيء وتضيق بكل شيء.
تفتح باب التأويل لتحاصر العمل الصحفي وتغلق باب الأمان لتضع الصحافة خلف قيود الخوف.
هي نصوص لا يمكن الحديث عن أي تطوير دون تعديلها، وحذفها من قاموس المهنة.
المطلوب في الحوار الذي سيبدأ عن المهنة وأزماتها وأدوات تطويرها أن نعيد صياغة كل النصوص الفضفاضة لأخرى أكثر انضباطأ، نحولها لنصوص تخدم الحقيقة لا الخوف، وتحترم حق المواطن في المعرفة، لا الحق في المنع والملاحقات القانونية.
تعديل قانون 180 يجب أن يكون المدخل، بتعديل النصوص التي تجيز الحجب المؤقت أو الدائم للصحف والمواقع، وتطلب تصريحًا يحصل عليه الصحفي والإعلامي والمصور من وزارة الداخلية قبل تغطية أي حدث، هذا النص الشاذ الذي ليس له مثيل في قوانين الإعلام في الدنيا كلها.
في التطوير والنظر إلى المستقبل هناك ضرورة لإصدار قانون حقيقي لحرية تداول المعلومات.
فلا كلمة مسؤولة دون معلومة صحيحة يحصل عليها الصحفي من مصادرها الرسمية.
فالمؤكد أن المعلومة لا تُستخرج من الصمت.
من حق الصحفي أن يعرف لكي يكتب بصدق.
أخيرًا وليس آخرًا في أي تعديل تشريعي مطلوب لا يمكن الإبقاء على النصوص التي تجيز الحبس في قضايا النشر.
حرية الكتابة وإلغاء حبس الصحفيين ليس منّة ولا رفاهية، بل هو شرط أساسي لتصحيح العلاقة بين الدولة والمهنة.
بين القلم والعدالة.
فالمؤكد أن الحبس لا يحمي المجتمع، بل يكتم فمه ويحجب حقه في المعرفة.
يا لجنة تطوير الإعلام:
تاريخ المهنة سيكون شاهدًا على ما تقولوا وما تفعلوا.
افتحوا النوافذ واسمحوا بدخول الهواء.
لن تنهض المهنة ما دام الخوف شريكًا في كل غرف الأخبار وصالات التحرير.
الطريق واضح: الحرية الآن.