بين حرية المرأة السعودية واختياراتها، وزي الإكراه الذي فرض على المصريات لعقود
الوهابية التي وصلت لمصر لم تكن مجرد تيار ديني، بل مشروع فكري مدروس لتشكيل وعي المجتمع المصري ومع الانفتاح الاقتصادي في عهد السادات، وتدفق أموال الخليج وبترولهم، وجدت هذه الأفكار أرضًا خصبة للانتشار.
لم يعد الأمر مجرد كتب أو دروس دينية، بل أصبح خطابًا يوميًا يفرض مفاهيم صارمة للسلوك والمظهر، ويضع المرأة في قالب محدد أكثر من الرجل.
واحدة من أبرز أدوات هذا التحكم الرمزي كانت الزي عباءة بيضاء للرجال، وعباءة سوداء للنساء. زي لم يكن جزءًا من تقاليد مصرية، لكنه أصبح معيارًا للتدين الالتزام به صار بمثابة إثبات “الصلاح” والتدين، بينما عدم الالتزام وُصف بالخروج عن الدين.
وهكذا تحوّل التدين إلى مظهر خارجي أكثر من كونه تجربة روحية شخصية، وأصبح الزي أداة للسيطرة الاجتماعية والثقافية على المرأة تحديدًا.
اليوم، المشهد مختلف في السعودية نفسها. الدولة التي كانت مصدر هذا الخطاب تمنح المرأة الحق في اختيار ملابسها بحرية، لتقرر متى وكيف ترتدي ما تشاء. خطوة رمزية لكنها عميقة، تشير إلى أن زمن الإكراه الاجتماعي والديني على المظهر انتهى، وأن التدين الحقيقي لا يُقاس بقطعة قماش. ما كانت السعودية تفرضه على النساء قبل عقود أصبح اختيارًا شخصيًا، وحقًا مكفولًا.
ويبقي السؤال الكبير لمصر: متى سيحدث هذا هنا؟ متى ستتمكن المرأة المصرية من الاختيار الحر دون ضغط اجتماعي أو رمزي؟ متى سينفصل التدين عن المظهر، والإيمان عن القالب الذي فرضته علينا عقود من الفكر الوهابي المستورد؟
الوهابية التي صدرت لمصر لم تكن مجرد عقيدة، بل أداة لتشكيل مجتمع وفق معايير خارجية. والآن، بعد أن تجاوزت منشأها الأصلي، أصبح من الضروري أن تُعيد مصر النظر في هذا الإرث.
الاختيار ليس رفاهية، بل حق، والزي ليس معيارًا للتدين الصحيح. التحرر يبدأ بالاعتراف بالحق في الاختيار، وليس انتظار أن يفرضه الخارج علينا.