تغير المناخ لم يعد مجرد قضية بيئية تُناقش في مؤتمرات علمية مهتمة بالقضايا البيئية؛ بل أصبح واقعًا نعيشه يوميًا، وعلى صعيد صناعة الغذاء أصبح العامل التسعيري الأقوى في صناعة الأغذية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تأثير المناخ على غذاء المصريين
فمنطقتنا التي تعتمد بشكل حاسم على استيراد الغذاء، تواجه تحديات غير مسبوقة تبدأ من تهديد رغيف الخبز، ولا تتوقف عند شح الموارد المحلية فقط، بل هناك أبعاد أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التهديد الأكبر للأمن الغذائي الإقليمي في مصر ومنطقة الشرق الأوسط يأتي من تأثير المناخ على المحاصيل الغذائية الأساسية والمحلية، مما يضع المنطقة تحت ضغط مضاعف من ارتفاع التكلفة وتآكل الاكتفاء الذاتي.
محاصيل وأزمات
يأتي القمح، وهو شريان الحياة الغذائي، ويُستهلك على نطاق واسع في المنطقة. تشير التقديرات إلى أن كل ارتفاع في درجة الحرارة العالمية بمقدار درجة مئوية واحدة يقلل غلة القمح بنحو 6% عالميًا، مما يضع ضغطًا هائلًا على دول مثل مصر، التي تستورد نحو 50% – 60% من استهلاكها، ويزيد من عبء الموازنات الحكومية لضمان استقرار أسعار الخبز.
الزيتون والبرتقال يتأثران أيضًا بشكل كبير بالتغير المناخي، فعلى سبيل المثال، أدت موجات الحر والجفاف الشديدة في دول حوض المتوسط إلى انخفاض إنتاج هذه المحاصيل الاستراتيجية بنسب وصلت إلى 30% – 50% في بعض السنوات. هذا النقص يقلل من الاكتفاء الذاتي ويزيد من التكاليف على الصناعات المحلية.
فقدان 12 إلى 15% من الأراضي الزراعية
كما تواجه المنطقة شح الموارد الناجم عن تغير المناخ، ففي مصر، التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة في دلتا النيل، يهدد ارتفاع منسوب سطح البحر المتوسط بتملح وفقدان ما بين 12% و15% من الأراضي الزراعية في الدلتا، مما يفاقم تحدي الأمن الغذائي.
المناخ في معظم دول العالم له تأثيرات وتغيرات شديدة، هكذا صرح لـ”القصة” الدكتور مجدي علام، مستشار برنامج المناخ العالمي، فعند الإجابة على سؤال: هل هناك سخونة لسطح الكرة الأرضية؟ الإجابة: نعم، هناك سخونة للسطح، وبالتأكيد هناك تأثير على الأمن الغذائي وعلى مصادر المياه أيضًا، وخصوصًا بعد تداعيات سد النهضة والنقص في بعض الموارد المائية الخاصة بجمهورية مصر العربية، وبالتالي فالتأثير يصب على دول العالم كله وليس مصر فقط.
البذور والحشرات مهددة بفعل المناخ
وأشار علام إلى أن دول العالم لديها 12 نهرًا على مستوى الكرة الأرضية، وهناك مشاكل عديدة على مستوى العالم وليست دولة بعينها، فسبحان الله العظيم، حتى الحشرات لها تأثير كبير على الأمن الغذائي في الحفاظ على المحاصيل الزراعية، إذ تقوم الحشرة بمساعدة الفلاح والأرض في إنتاج محصول صحي آمن.
وأضاف علام، أن الأمن الغذائي لن يستمر إلا بأنواع معينة من البذور التي تعمل على إنتاج أكثر لصالح الإنسان، فهناك محاصيل تُزرع صيفًا وشتاءً فقط، ولكن تم العمل على إنتاجها ثلاث مرات في السنة لتكفي الحاجة والحيوية التي يُعمل بها على أمن غذائي، وبالتالي ستزداد المحاصيل الزراعية.
وتابع مستشار برنامج المناخ: محاصيلنا الزراعية في حدود 12 مليون فدان، وهناك 4 ملايين أخرى أشاد الرئيس عبدالفتاح السيسي بها، أنها ستعمل على زيادة إنتاجية المحاصيل في ظل ظروف المناخ والعمل (كالشعير والقمح وجميع أنواع الحبوب)، فبالتالي سيصبح لدينا كمّ كبير وكافٍ في حال حدوث هذه الزيادة.
فأصبح المواطن، خصوصًا بعد الأمن الغذائي، لديه اطمئنان أن ما يحصل عليه ليس عليه مواد كيميائية مضرة، بالإضافة إلى الكثبان الرملية التي كانت تؤذي المحصول بعد العمل عليه، فتأتي الرياح لتدمر كل هذا، فكانت من أكبر الأزمات التي تقابل الفلاح، أصبح الأمن الغذائي يعمل على حلها.
كما أنهى حديثه بسؤال: هل وجود مصادر مائية يُحسّن الأراضي الزراعية؟ بالتأكيد نعم، فجميع الأراضي والمحاصيل الزراعية تحتاج إلى شبكة من المياه، فالمياه لها دور كبير في رعاية واهتمام الفلاح بالأراضي والمحاصيل التي تعمل في نهاية الأمر على الحفاظ على الأمن الغذائي.
القهوة والكاكاو أكثر تأثرًا
والمناخ له تأثير أيضًا على السلع التخصصية، فقد تسبب تغير المناخ في موجة تضخم جنونية أثرت بشكل كبير على أنماط الشراء لدى المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وتأتي الكاكاو والقهوة على رأس المحاصيل التخصصية التي تأثرت أسعارها بشدة نتيجة التغيرات المناخية خلال السنوات الماضية.
بالنظر للكاكاو، وهو المثال الأوضح لبيان تأثير الصدمة الناتجة عن التغير المناخي، فبعد أن أثرت الظواهر الجوية المتطرفة المتمثلة في الجفاف وكذلك الفيضانات في منطقة غرب إفريقيا، والتي تنتج أكثر من 60% من الكاكاو العالمي، شهدت الأسواق العالمية ارتفاعًا جنونيًا.
كما أظهرت أسعار القهوة تغيرًا جنونيًا آخر مدفوعًا أيضًا بالتغيرات المناخية الحادثة في العالم، إذ تضاعفت أسعار القهوة الأرابيكا إلى ما يقارب ثلاثة أضعاف بين 2021 و2025، كما يُتوقع أن تفقد ما يصل إلى 50% من الأراضي الصالحة لزراعة حبوب الأرابيكا بسبب تغير المناخ وانتشار الأمراض، مما يرفع باستمرار تكلفة قطاع المقاهي والخدمات الغذائية المزدهر إقليميًا.
كما تتأثر محاصيل مثل فول الصويا بالحرارة والجفاف، مما يهدد بتخفيض الغلة العالمية بما يصل إلى 40% في بعض مناطق الإنتاج الرئيسية، وهذا يرفع تكلفة زيوت الطبخ والأعلاف بشكل حاد.
هذا التغير المفاجئ وغير المخطط لأسعار المحاصيل الأساسية والتخصصية على حد سواء، يضطر المنتجين إلى تغيير هياكلهم السعرية بشكل حاد ومضطرب، مما يزيد من معدل التضخم في منطقتنا، ويهدد بشكل خاص الفئات الأكثر فقرًا، ويقلل من القوة الشرائية للأجور.
