أثار إعلان وزارة الصحة، طرح تأجير العيادات الخارجية بعدد من المستشفيات الحكومية أمام شباب الأطباء، نقاشًا واسعًا في الأوساط الطبية، بين من اعتبر الخطوة وسيلة لدعم الكوادر الطبية الشابة وتخفيف العبء عن المواطنين، ومن رأى فيها تأثيرا على مبدأ “مجانية العلاج” الذي تكفله الدولة للمواطنين.
وبدوره، تابع «القصة» كواليس عمليات التأجير، وما هي مزاعم الاستثمار في القطاع الصحي، ومدى تأثيرها على مجانية الخدمات الطبية.
بررت وزارة الصحة “خطة التأجير العيادات الخارجية بعدد من المستشفيات التابعة للمؤسسة العلاجية الحكومية لشباب الأطباء لإتاحة الفرص لهم للاستفادة المهنية والمادية وتعزيز خدمات الرعاية الصحية”.
وبحسب المعلومات المتاحة، فالطرح يشمل 3 مستشفيات هي: مستشفى مبرة المعادي، مستشفى هليوبوليس، ومستشفى مبرة مصر القديمة، لافتًا إلى أن تلك العيادات تعمل في الفترة الصباحية فقط حتى الثالثة ظهرًا، وبالتالي جاء طرحها لشباب الأطباء لاستغلالها بشكل أمثل لخدمة المرضى وفي ذات الوقت دعم هؤلاء الأطباء.
ضرورة الفصل بين العام والخاص
بدوره، أبدى نقيب الأطباء المصريين، أسامة عبد الحي، تحفظه على فكرة تأجير العيادات بالفترة المسائية داخل المستشفيات الحكومية، مع ضرورة الفصل بين أدوار القطاعين العام والخاص في تقديم الخدمات الطبية.
وقال “عبدالحي” إن “المطلوب يتمثل في تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في إنشاء المستشفيات والعيادات، بالتوازي مع استمرار الدولة في تطوير مؤسساتها الصحية الحكومية، بحيث يقدم كل قطاع خدماته بشكل مستقل، مع بقاء المستشفيات العامة الضابط الرئيسي لسوق الخدمات الطبية في مصر”.
لا حاجة لأقسام اقتصادية
وأوضح أن “المستشفيات الحكومية تضم بالفعل أقسامًا اقتصادية، لكن إدارتها ينبغي أن تظل بمنطق القطاع العام لا بمنطق استثماري بحت، وبالتالي نرفض خلط الأدوار بين القطاعات المختلفة، وهذه العيادات يمكن أن تعمل وفق النظام الصباحي وتدار بأسلوب حكومي، مع إمكانية رفع أسعار الكشف بنسب محدودة لا تتجاوز 20 إلى 30 بالمئة، على أن يحصل الطبيب على جزء من العائد، دون الإخلال بدور المستشفى كجهة حكومية تقدم خدمة عامة”.
مزايدة للتأجير بـ 3 مستشفيات
وبحسب المتحدث باسم الوزارة، حسام عبد الغفار، فإنه من المقرر طرح مزايدة لتأجير العيادات الخارجية بـ3 مستشفيات تابعة لما يُسمى بـ”المؤسسة العلاجية” خلال شهر أكتوبر 2025، لتعمل في الفترة المسائية بما يدعم شباب الأطباء الذين قد يجدوا صعوبة في امتلاك عيادة خاصة، وكذلك للمرضى الذين سيجدون عيادات بالفترة المسائية بأسعار مناسبة.
وبشأن تأثير الخطوة على أسعار الخدمات المقدمة للمرضى، أوضح أن “أسعار الخدمات داخل هذه المستشفيات تحددها لوائح مجلس إدارة المؤسسة العلاجية ويصدق عليها وزير الصحة، بما يضمن وضوح الآليات وانضباطها”.
مخاوف من الخصخصة
ومن جهة أخرى، يرى مدير المركز المصري للحق في الدواء، محمود فؤاد، في تصريحات لموقع “القصة”، أن خطوة وزارة الصحة بطرح عيادات خارجية في بعض المستشفيات الحكومية للتأجير لا يمكن فصلها عن سلسلة إجراءات بدأت خلال السنوات الثلاث الماضية هدفت لزيادة مشاركة القطاع الخاص في تقديم الخدمات الصحية.
وأوضح فؤاد أن “التجربة الجديدة لتأجير العيادات في 3 مستشفيات حكومية تثير مخاوف من الخصخصة التدريجية للخدمات الصحية وانعكاساتها على مبدأ مجانية العلاج الذي يكفله الدستور المصري”.
وحذر من أن “هذه السياسة قد تدفع العيادات الخاصة والمراكز الطبية الصغيرة إلى رفع أسعارها، وبالتالي يجب أن يكون هناك حوار مجتمعي واسع بشأن المقترحات الجديدة في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين في مصر”.
كما أضاف فؤاد، أن وزارة الصحة على مدار الـ 3 سنوات الأخيرة خفضت الإنفاق الحكومي المخصص للصحة، فهذه ليست الخطوة الأولى ولا الوحيدة.
منح فرصة للأطباء للاستفادة
تبرر وزارة الصحة بأن قرار تأجير العيادات يمنح الأطباء الشباب فرصة عملية في بداية حياتهم المهنية، من خلال توفير أماكن مؤهلة لممارسة المهنة بتكلفة مناسبة، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل ارتفاع أسعار إيجارات العيادات الخاصة، بإلإضافة إلى أن المستشفيات نفسها ستستفيد من وجود الأطباء بعد انتهاء فترة العمل الرسمية، إذ ستظل هناك كوادر طبية حاضرة في المساء وحتى ساعات الليل، بما يسمح بالاستعانة بهم في تقديم الخدمات الطارئة.
ويضيف “فؤاد” لـ القصة: أكثر من 665 مستشفى عاما أو مركزيا، فنحن نتكلم عن حوالي أكثر من ألف مستشفى به مشاكل وصيانة وأطباء متغيبون اعتراضا على المرتب، إضافة إلى عجز ونقص في الأدوية ومشاكل في الأجهزة، فكل هذه مشاكل تواجه منظومة الصحة، فوزير الصحة اتجه لعمل خطوات لحل بعض هذه المشاكل منها تخفيض سعر تذكرة المستشفى، بإلإضافة إلى ذلك هناك أزمة كبيرة في أدوية التأمين الصحي، أصبح المريض يدفع 60% بدلا من 30%.
كما علق “فؤاد”، أن لأول مرة في التاريخ، تم منح المستثمرين حق تأجير وشراء المستشفيات المصريه التي تم بناؤها بأموال الشعب.
وتساءل: كيف يتم تأجيرها إلى مستثمر أجنبي؟ مع الأسف الشديد العبء على المواطنين في الإنفاق الصحي زاد بشكل كبير ولدينا ركود كبير في الصيدليات، نتيجة لغلاء الأسعار فالمريض أصبح يفاضل بين الدواء.
ومنذ فترة كبيرة ويتم التحذير من فكرة توغل القطع الخاص على القطاع العام أو الحكومي في مجال الصحة خصيصا لأنه أصبح بيزنسس غرضه المكسب فقط وليس مصلحة المريض.
وجدير بالذكر، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، صدق على القانون رقم 87 لسنة 2024م، بشأن منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، ونشرت، موادّه المعدّلة، إعلانًا بدخوله حيّز التنفيذ.
وبناءً على ذلك تستعد وزارة الصحة والسكان حاليًا للإعلان عن مقترح تأجير عدد من العيادات الخارجية في بعض المستشفيات الحكومية، ومن المقرر أن تكون البداية المقترحة للمشروع في 3 مستشفيات، وذلك بعد تأجير مسشتفى أورام هرمن بالفعل، ليصبح اسمها جوستاف روسيه.
ويذكر أن المؤسسة العلاجية تعد إحدى الهيئات الاقتصادية التابعة لوزارة الصحة المصرية، وتأسست عام 1964 في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتشرف حاليًا على 5 مستشفيات في القاهرة، تقدم خدماتها وفق أسعار خاصة تختلف عن المستشفيات الحكومية الأخرى.
