أنفقت الدولة المصرية مبالغ ضخمة على الإصلاحات المرتبطة بالطريق الدائري الإقليمي في محافظة المنوفية، إذ بلغت التكلفة منذ بداية العمل عليه مليارات الجنيهات، ورغم ذلك لا يزال الطريق يشهد مشاكل خطيرة، من أبرزها حادثة شهيرة أسفرت عن مصرع 19 فتاة.
وفي وقت سابق، أشار وزير النقل، كامل الوزير، إلى وجود خلل هيكلي في بنية المشروع الذي تجاوزت تكلفته حوالي 15 مليار جنيه، مؤكداً أن الطريق يحتاج إلى عملية شاملة لرفع كفاءته بتكلفة تقدّر بحوالي 50 مليار جنيه.
وأفادت مصادر بأن افتتاح الطريق كان مقررا في الثاني من أغسطس عام 2025، إلا أنه تم الكشف عن الحاجة إلى إصلاحات إضافية أدت إلى تأجيل الموعد المحدد.
تزايد ملحوظ في عدد الحوادث
التقارير والإحصاءات الرسمية تكشف عن تزايد ملحوظ في عدد الحوادث على الطريق الإقليمي بالمنوفية، فخلال عام 2020 وحده، تم تسجيل ما يزيد عن 500 حادثة شهدت وفاة وإصابة العديد من الأشخاص، وكلما تقدم الزمن ازدادت هذه الأرقام، مما يعكس مشكلة متفاقمة تستدعي التدخل العاجل، ففي مايو 2025، لقي 9 أشخاص مصرعهم، وارتفع العدد ليصل إلى 19 ضحية خلال يوليو من نفس العام.
هناك عدة عوامل رئيسة تفسر ارتفاع معدلات الحوادث على هذا الطريق، أحد أبرز الأسباب هو افتقار الطريق للصيانة اللازمة؛ فبالرغم من أنه يعد شريانًا مهمًا يربط المدن والقرى ويشهد حركة يومية مكثفة، فإن الإهمال في إصلاح الحفر والشقوق المنتشرة فيه يضع حياة السائقين في خطر دائم، ضيق الطريق يفاقم التحديات، مما يجعل التنقل عليه مليئا بالمخاطر.
إلى جانب ذلك، ضعف الالتزام بلوائح المرور وعدم تطبيقها بفعالية يعد سببا رئيسيا في الكوارث المرورية، والقيادة المتهورة التي تشمل السرعة الزائدة والتجاوز في المناطق غير الآمنة، أصبحت أمرا شائعا على هذا الطريق، مما يعرض الأرواح للخطر ويجعل المشاة والسائقين عرضة للحوادث.
كما أن الطريق يعاني من نقص الإضاءة ليلا، مما يصعب رؤية الطريق بوضوح ويسهم في تزايد معدلات التصادم، علاوة على ذلك، غياب معابر المشاة والإشارات المرورية يُعرض حياة المشاة للخطر ويزيد من احتمالية وقوع الحوادث.
آراء المواطنين بشأن استمرار غلق الطريق
ففي محافظة المنوفية، أوضح أحمد عبد الحميد أن إغلاق الطريق دفعه إلى اللجوء للطرق الداخلية غير المؤهلة لاستيعاب كثافة السيارات، ما أدى إلى تضاعف زمن الرحلة من ساعة ونصف إلى أكثر من ثلاث ساعات، هذا الوضع تسبب في زيادة الأعباء المالية، سواء من حيث استهلاك الوقود أو ارتفاع نفقات الصيانة، إضافة إلى الزحام وكثرة التوقف وما ينتج عنه من مشاحنات متكررة مع الركاب.
من جهة أخرى، محمود محفوظ، طالب بضرورة إعادة فتح الطريق بشكل جزئي على الأقل خلال ساعات الذروة الصباحية والمسائية لتخفيف الضغط عن المحاور الداخلية.
أما حسام مشهور، فقد تحدث عن التكدس المروري الذي يعاني منه سكان مدينة بنها منذ إغلاق الطريق الإقليمي، لافتًا إلى أن كوبرى بنها العلوي بات يشهد ازدحامًا شديدًا في اتجاه القاهرة.
كما أوضح أن الإغلاق أسهم في إرباك الحركة المرورية وزيادة معاناة مستخدمي الطريق، خاصة الذين يرغبون في الوصول إلى الطريق الحر، إذ يضطرون لأخذ طريق بنها – منيا القمح كبديل للصعود إلى الطريق الحر والإقليمي، الأمر الذي ضاعف من معاناة الأهالي خصوصًا خلال فترات الصباح والمساء.
آراء خبراء عن طريق الإقليمي والاستغراب من استمرار غلقه
وأبدى شريف الأسواني، منسق عام شباب أسوان ورئيس رواد مصر، استغرابه الشديد من استمرار غلق الطريق الإقليمي بالمنوفية رغم الإعلان المتكرر عن جاهزيته وانتهاء الأعمال به، مؤكدًا أن المواطنين يتساءلون ما الذي يحدث؟ وهل ظهرت مشكلات جديدة تعرقل الافتتاح، أم أن هناك أسبابًا غير معلنة؟
وأضاف الأسواني أن هذا الغموض يفتح الباب أمام علامات استفهام عديدة، خاصة أن الطريق يُعد شريانًا رئيسيًا يربط الوجه البحري بالقاهرة والدلتا، وتأخر افتتاحه يفاقم من معاناة الأهالي، ويرهق شبكة الطرق البديلة التي لم تُصمَّم لتحمل هذه الكثافات المرورية.
وأشار إلى أن غياب الشفافية في الإعلان عن الأسباب الحقيقية وراء هذا التأخير يتنافى مع حق المواطنين في المعرفة، داعيًا وزارة النقل والجهات المنفذة إلى إصدار بيان واضح يحدد موقف المشروع والجدول الزمني الفعلي للانتهاء من الأعمال وافتتاح الطريق أمام حركة المرور.
وختم الأسواني تصريحه بالتأكيد، أن شباب مصر، باعتبارهم شركاء في عملية التنمية، يرفضون تكرار مثل هذه التأخيرات دون مبررات معلنة، ويطالبون برقابة ومتابعة صارمة تضمن إنجاز المشروعات القومية في مواعيدها المحددة، حفاظًا على ثقة المواطن في الدولة ومؤسساته.
فتح الطريق الدائري الإقليمي مرهون بالجاهزية الفنية الكاملة
وأشار الدكتور أحمد شعراوي، خبير الإدارة الاستراتيجية الدولية، إلى أن منهجية إدارة مشروعات البنية التحتية الكبرى تعتمد أساسًا على تقارير فنية موضوعية أكثر من كونها انطباعات بصرية، فقد يبدو الطريق مكتملًا للعيان، لكن معايير السلامة لا تُقاس بمظهره فقط، بل تُعتمد على قدرة النظام على العمل بكفاءة تحت أصعب الظروف، التأجيل في هذه الحالة لا يعني تعطيلًا للاستثمار أو هدرًا للوقت؛ بل يعكس ثقافة “الحوكمة المؤسسية للمشروعات العامة” التي تضع سلامة المواطنين في المقدمة.
في تصريح خاص، أوضح أن اللجنة الفنية التابعة لوزارة النقل وهيئة الطرق والكباري لا تزال تُجري مراجعات دقيقة، تشمل التحقق من جودة الأسفلت، كفاءة الحواجز الخرسانية، وضوح العلامات الإرشادية، وآليات تصريف المياه لمواجهة الأمطار الغزيرة، لن يتم تشغيل الطريق إلا بعد اعتماد التقرير النهائي من اللجنة ورفعه إلى مجلس الوزراء، هذا النهج يُبرز التزام الدولة بمبادئ الشفافية المؤسسية وتحمل المسؤولية تجاه المواطنين.
وأشار إلى مخاطر الفتح الجزئي للطريق قبل اكتمال الأعمال الفنية، موضحًا أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى سلوكيات غير آمنة من السائقين، مثل القيادة بسرعات عالية أو السير عكس الاتجاه، مما يحوِّل المشروع من خدمة إنمائية إلى مصدر خطر. لذلك يتمسك مبدأ “سلامة 100% أو لا تشغيل”.
كما أكد أن القرار لا يتوقف فقط على الجوانب الهندسية، بل يمتد إلى اعتبارات أمنية، حيث يُعد الطريق الدائري الإقليمي جزءًا من البنية الاستراتيجية التي تدعم حركة النقل بين المحافظات والموانئ، وبالتالي، يجب إدارته كمنظومة متكاملة.
توقيت افتتاح الطريق
وفيما يخص توقيت افتتاح الطريق، اختتم تصريحه أن الأولوية هي إنهاء الأعمال الفنية بشكل كامل دون الحديث عن يوم محدد لافتتاحه، فبمجرد إصدار التقرير الفني المطابق بنسبة 100%، سيتم الإعلان عن موعد التشغيل رسميًا وبالتزام واضح، مؤكدا أن الاستعجال في افتتاح مشروع بهذا الحجم قد يُعرّض الكثير من الأرواح للخطر، في حين أن التريّث هو بمثابة استثمار في بناء الثقة بين الدولة والمواطنين