قررت إدارة الهيئة العامة للتأمين الصحي، إيقاف الدكتور أحمد عطا فهيم عن العمل احتياطيا لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد، وذلك على خلفية التحقيقات الجارية بشأن واقعة إصابة عدد من مرضى عمليات المياه البيضاء بمستشفى 6 أكتوبر للتأمين الصحي بمضاعفات خطيرة؛ أدت إلى فقدان البصر.
أزمة مستشفى 6 أكتوبر
القرار، حسب البيان، اعتبر أن الإيقاف استند إلى مذكرة الإدارة المركزية للشؤون الطبية، التي رفعت تقارير حول خطورة ما حدث وضرورة اتخاذ إجراءات فورية لحين انتهاء التحقيقات.
ونص القرار على صرف نصف راتب الطبيب طوال فترة الإيقاف، مع إلزام فرع الجيزة التأميني بإعداد تقرير دوري حول تنفيذ ما ورد بالقرار.
ماذا حدث في مستشفى 6 أكتوبر؟
بحسب التحقيقات الأولية، نشر “القصة”، تفاصيل خضوع بعض المرضى لعمليات زرع عدسات بعد إزالة المياه البيضاء، إذ إنه بعد ساعات قليلة ظهرت أعراض التهابات حادة: تورم شديد، آلام حارقة، وفقدان سريع للرؤية. وصفت الحالات بأنها “خطيرة”، ونُقل عدد منها إلى القصر العيني لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
خبراء العيون في القصر العيني أكدوا للمرضى أن ما جرى يشير إلى عدوى بكتيرية داخل غرفة العمليات أو خلل في تعقيم الأدوات. الأمر بدا كخلل منظومي متكامل الأركان، وليس مجرد خطأ فردي.
في تصريح خاص لـ”القصة”، علّق أحد جراحي العيون بالقصر العيني قائلًا: “ما حدث كارثة في جراحات العيون. “الكاسيت” يُستخدم لعشرات المرضى رغم تحذيرات الشركات”. وأوضح أن أجهزة الفاكو المستخدمة في عمليات المياه البيضاء تعتمد على أداة أساسية تُسمى (Cassette)، وهي أداة مخصصة لاستخدام لمريض واحد فقط، ولا يجوز إعادة استخدامها أو تعقيمها.
لكن الواقع المؤلم أن كثيرًا من مستشفيات الرمد، سواء الحكومية أو الخاصة، تشهد استخدام الكاسيت الواحد لقائمة كاملة من المرضى، بل وإعادة تعقيمه بطرق غير آمنة، رغم التعليمات الصريحة التي تمنع ذلك. وهنا تكمن الكارثة: فإذا وُجد مريض واحد يحمل عدوى بكتيرية، تنتقل العدوى إلى باقي المرضى في القائمة، مسببة التهابات قد تنتهي بفقدان البصر. والأخطر هو احتمالية انتقال أمراض فيروسية خطيرة مثل فيروس الكبد B أو فيروس HIV دون ظهور أعراض مباشرة، ما يشكل تهديدًا كارثيًا للصحة العامة.
في حديث مؤلم، قالت مروة نبيل ابنة نبيل أبو القاسم، المتضرر بفقدان بصره داخل المستشفى: “بعد العملية كان يشتكي والدي من وجع شديد في عينه مكان العملية، كنا نعتقد أنه مجرد أثر طبيعي للعملية. لكننا فوجئنا حين توجهنا للمستشفى، بأن الأطباء أخبرونا أن هناك مشكلة كبيرة، وأن أبي فقد القدرة على الرؤية. وقفت أمامه ورفعت أصابعي وقلت له: “كام دول يا بابا؟ فلم يجب. كان صدمته وذهوله أصعب من أي كلام”.
صرخات المرضى وأسرهم تكشف حجم المأساة. أحد الضحايا روى وهو يبكي: “الدكتور كان بيشتغل كتير في عيني.. كنت حاسس بيه.. مش شايف حاجة.. وعيني بتوجعني أوي.. مش شايف حاجة”. مروة أكدت أنها تقدمت بشكاوى واستغاثات لمجلس الوزراء، مضيفة: “لن نسكت عن حق والدي صاحب الـ65 عامًا. نحن في حالة فزع. إذا كانت المعدات غير صالحة وغير آدمية، فلماذا تُستخدم لعلاج المرضى؟ هل أصبحت أرواح الناس لعبة؟ نطالب بوقف جميع الأطباء المسؤولين عن هذه الفاجعة، ومحاسبة المستشفى التي أهملت حالة والدي حتى فقد بصره”.
أسرة أخرى لم تتوقع أن تتحول رحلة علاج والدها إلى مأساة قاسية. ذهبوا إلى القصر العيني لتشخيص حالته، فأخبرهم الأطباء أن العين أصيبت بميكروب، وأن القرنية نفسها تضررت. قال لهم الأطباء: “حتى لو حاولنا زرع قرنية أو علاجها، سيكون الأمر صعبًا جدًا”.
جروب واتساب
الأسر تعيش صدمة كاملة. يقول أحد المتضررين: “لدينا جروب واتساب يضم أكثر من 40 حالة، جميعهم فقدوا بصرهم. لا يوجد مسؤول واحد يهتم بنا أو يتابع حالتنا. حياتنا دُمرت في يوم وليلة. نطالب الوزارة ومجلس الوزراء بسرعة التدخل”.
ولم تتوقف المأساة عند ذلك، بل امتدت لتشمل حالات أخرى. أحدهم تحدّث عن والدته قائلًا: “عايز أطمن على والدتي.. محدش بيقولنا حاجة. والدتي دخلت يوم 28/8 تعمل عملية مياه بيضاء.. خرجت مبتشوفش. ومن وقتها حتى الآن، محدش كلّمنا ولا سأل علينا. بعد ما تحوّلنا للقصر العيني، قالولنا إن حالتها صعبة جدًا وإن زرع القرنية غير ممكن. والدتي عندها 72 سنة.. اسمها إخلاص سيد عطية.. راحت عينها في غمضة عين”.
نجاح ربيع، البالغة من العمر 65 عامًا، روت لـ “القصة” حكايتها مع الألم: “ذهبت لمستشفى 6 أكتوبر لإجراء عملية إزالة المياه البيضاء وتثبيت العدسة.
تكمل ربيع حديثها: لم أكن أعلم أن تلك العملية ستكون شؤمًا عليّ.. بعد العملية بدأت أشعر بحرقان وآلام حادة.
اعتقدت ربيع في البداية أن الأمر طبيعي، لكن حين عادت للمستشفى يوم 5 سبتمبر الجاري، فوجئت بعدم وجود أطباء عيون ولا حتى ممرضة.
بحزن ختمت ربيع حديثها: “عدت مرة أخرى يوم السبت، وبعد العملية فقدت عيني تمامًا”.
رحلة علاج بدأت بأمل في استعادة النظر، انتهت بخسارة مؤلمة ستظل السيدة نجاح تحمل آثارها إلى الأبد. قصتها ليست مجرد واقعة شخصية، بل نموذج حي لمعاناة عشرات المرضى الذين تحوّل حلمهم في العلاج إلى كابوس، بسبب غياب الرقابة وضعف المحاسبة. وبينما تظل هي وأمثالها أسرى لآلام فقدان البصر، يبقى السؤال: من يحمي المرضى من الإهمال؟ ومن يعيد لهم حقهم؟
قبل القرار، طالب أكثر من 40 أسرة بفتح تحقيق عاجل ومحاسبة كل من تسبب في الكارثة، مؤكدين أن ما حدث قلب حياتهم رأسًا على عقب بين ليلة وضحاها.