وسام حمدي
قبل ساعات انتشرت فيديوهات غرق بعض الأراضي في محافظتي البحيرة والمنوفية حيث تجاوزت المياه صدر أحد المواطنين في مشهد لم نره في السودان، وهنا بدأت وزارة الري تلقي الاتهام للتصرفات الأحادية لـ إثيوبيا، ومخالفتها القانون الدولي ما تسبب في حدوث “فيضان صناعي”.
ناقشت” القصة” خبراء الموارد المائية الذين أرجعوا الأسباب إلى خلل في إدارة المياه وتصريف مياه من بوابات السد بكميات مضاعفة حيث تم ضخ 750 مليون متر مكعب بدلا من 400 إلى 450 مليون متر مكعب، مما أحدث الأزمة.
وكشفوا عدم توفير البدائل لسكان أكثر من 144 جزيرة في النيل بمساحات تزيد عن 44 ألف كيلومتر مربع معرضة للغرق على مستوى الجمهورية، وطالبوا بالإسراع في صرف التعويضات للمضارين، وفجروا مفاجأة بأن مياه فيضان نهر النيل لم تصل بوابات السد العالي حتى الآن لأنها تحتاج 17 يومًا من إثيوبيا حتى وصولها لمفيض أسوان وبوابات السد العالي.
النوعي للبيئة: الحكومة فشلت في إدارة أزمة أراضي طرح النهر التي تملك بياناتها
بدوره يقول الدكتور وحيد إمام، رئيس الاتحاد النوعي للبيئة: الأراضي المنخفضة التي غمرتها المياه في محافظتي البحيرة والمنوفية موجودة منذ عشرات السنوات، ولم تتأثر بهذا الشكل، مع العلم أن كميات المياه الموجودة في الترع والمصارف محسوبة ومعلومة التقديرات وكميات المياه في السدة الشتوية وهنا نتساءل هل تم تصريف كميات مياه غير محسوبة؟ مثلا تم تصريف مليون م3 في الساعة التي تضاعفت لـ مليوني م3 بفعل الفيضان ما سبب المشاهد المتداولة على السوشيال ميديا، وهل استنفد السد العالي كميات التخزين 178 مترا لتخزين المياه، ما يعني أن أي مياه جديدة ستؤثر على جسم السد فتتم عملية تصريفها، وهذا احتمال غير موجود لأن مصر واجهت سنين عجافا تكفي فقط لتشغل توربينات السد بـ60 سم.
الرواية الرسمية لوزارة الري
في بيان رسمي لوزارة الري ذكرت أنها اتخذت تدابير و إجراءات استباقية شملت مخاطبة جميع المحافظين في 7 سبتمبر 2025، للتنبيه على المواطنين بضرورة توخي الحذر واتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية ممتلكاتهم وزراعتهم المقامة على أراضي طرح النهر، رغم كونها تعديات مخالفة للقانون.
وذكرت أن هذه الأراضي بطبيعتها جزء من المجرى الطبيعي والسهل الفيضي لنهر النيل، ومعرضة للغمر في مثل هذه الحالات، وأن هذة الأراضي التي غمرتها المياه مؤخراً هي بطبيعتها جزء من أراضي طرح النهر التي اعتاد النهر استيعابها عند زيادة التصرفات المائية عبر العقود الماضية. غير أن التعديات عليها بزراعات أو مبانٍ بالمخالفة أدت إلى وقوع خسائر عند ارتفاع المناسيب، رغم أن هذه الأراضي غير مخصصة للزراعة الدائمة.
تراخي الجهات المسئولة يدمر الأنشطة الاقتصادية
ويشرح “إمام”: نواجه فشلا في إدارة الموارد المائية وتصريف كميات الأمطار، وما جرى من تحذيرات بأن الأراضي طرح نهر وتعلم الحكومة بغرقها وبيان بها وبالمساحات المهددة بالغرق وكأن الحكومة تتبرأ من دفع تعويضات بسبب أنه متعد ويبرر تصرفه في فتح بوابة السد العالي وتصريف كميات مياه غير معتادة ما نتج عنه الكواراث التي حدثت.
ويتساءل رئيس الاتحاد النوعي للبيئة: لماذا سمحت الحكومة بالتعدي والسماح للأهالي بعمل أنشطة اقتصادية من الزراعة وبناء المساكن التي تتعرض حاليا للدمار وتأثيرات اقتصادية واجتماعية، وهنا أمام سوء إدارة في السماح بالتعديات أو فتح المياه في غير أوقاتها المحدد وبكميات أضخم من المتعارف عليها سنويًا .
ويضيف: غياب التكريك للمصارف يقلل من حجمها الاستيعابي، علاوة أن ينتج عنه طمي يمكن استخدامه في الزراعة لزيادة جودة الأراضي الصحراوية، فهل نحن أمام أزمات مياه متلاحقة نتيجة فتح بوابات السد، وأين إدارة الأزمات؟.
تصرفات أحادية تخالف القانون الدولي
بحسب بيان وزارة الري تتابع وزارة الموارد المائية التي ذكرت بأن تطورات فيضان نهر النيل لهذا العام، وما ارتبط بها من تصرفات أحادية متهورة من جانب إثيوبيا في إدارة سدها غير الشرعي المخالف للقانون الدولي.
هذه الممارسات تفتقر إلى أبسط قواعد المسؤولية والشفافية، وتمثل تهديداً مباشراً لحياة وأمن شعوب دول المصب، كما تكشف بما لا يدع مجالاً للشك زيف الادعاءات الإثيوبية المتكررة بعدم الإضرار بالغير، وتؤكد أنها لا تعدو كونها استغلالاً سياسياً للمياه على حساب الأرواح والأمن الإقليمي.
15 محافظة ستتعرض للفيضانات
بدوره يقول الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية: أعلن رئيس الوزراء بأن 15 محافظة ستتعرض للفيضان، فلدينا مصبّان للنهر، سد في إثيوبيا وسد في مصر، فكيف تخرج منهما كل هذه الكميات من مياه الفيضان؟ بالأمس شاهدنا في مقاطع الفيديو من محافظة المنوفية المياه وقد وصلت حتى صدر أحد المواطنين وهو خارج من منزله، وهذا ما لم نره في السودان التي لم يزد ارتفاع المياه عن 20 سنتيمترًا، سواء في الأراضي أو الحقول، ولم تدخل البيوت كما رأينا في مصر.
وأوضح “نور الدين” لـ “القصة”: أن المياه الخارجة من السد الإثيوبي كانت مُقننة، لكن عندما فتحوا بوابات إضافية غرقت مناطق أكثر، فبدلًا من ضخ 400 إلى 450 مليون متر مكعب، تم ضخ 750 مليون، مما أحدث الأزمة.
وأشار إلى أن المياه في مصر أيضًا مقننة، حيث إن السد العالي هو المصب الثاني للنهر بعد السد الإثيوبي، وبالتالي يتم فتح البوابات على قدر احتياجات القطاعات الرئيسية: الزراعة والصناعة والاستهلاك المنزلي.
وتابع: مياه الفيضان لكي تصل من إثيوبيا إلى مصر تحتاج 17 يومًا، ومن الخرطوم إلى مصر 15 يومًا، خاصة أن الفيضان بدأ في الخرطوم منذ 6 – 7 أيام فقط، أي يوم 25 سبتمبر. هذا يعني أن المياه لم تصل بعد، فما الذي نفعله إذن؟ نحن نفرغ مساحات وفراغات لاستقبال المياه القادمة من السودان، أي أننا فتحنا بوابات إضافية.
سوء إدارة وتقدير
وأكد “نور الدين” لـ “القصة”: هناك سوء تقدير وسوء إدارة، حيث تم حساب كميات أكبر دون مراعاة وجود أراضي طرح نهر، لافتًا إلى أن هناك 144 جزيرة في نهر النيل معرضة للغرق، منها جزيرة الزمالك، الوراق، الدهب في الجيزة، وفيلة السياحية في أسوان، إلى جانب مناطق في شمال سيناء، كما أن فتح بوابات إضافية في السد العالي تكرر أيضًا العام الماضي، وتسبب في أضرار كبيرة، وبخاصة أن هذه الفترة تشهد موسم حصاد الأرز والذرة ، وإذا غمرته المياه سيضيع. وكذلك الحال بالنسبة للذرة التي يتم جمعها هذه الأيام وبالتالي فهذا خراب.
واستنكر” نور الدين”: أعتقد أن هذه أخطاء لم تحدث منذ إنشاء السد العالي عام 1971 أعلى فيضان جاء إلى مصر كان عام 1988 حين فتحنا المفيض ولمدة سبع سنوات أدرنا فيضانات عالية جدًا، ومع ذلك لم يحدث أن غرقت أراضٍ في مصر وما يحدث الآن سوء تقدير وسوء إدارة لمياه السد العالي، حيث تم فتح بوابات أكثر مما يتحمله النهر وأكثر مما يتحمله موسم الحصاد الحالي.
وتساءل” نور الدين”: إذن هذا ليس فيضان النيل، فالفيضان لم يصل بعد إلى مصر. ورغم ذلك المياه لدينا تخرج مقننة من السد العالي، فمجرى النهر أشبه بترعة ندخل إليها كمية مياه محسوبة، ما بين 172 إلى 272، على حسب الصيف أو الشتاء.
وأوضح أن هناك نحو 44 ألف كيلومتر مربع، لكن لا توجد تقديرات دقيقة مثلًا لعدد سكان الجزر. ففي جزيرة الوراق توجد زراعة وسكان، وفي جزيرة الدهب أيضًا زراعة وسكان، بينما في جزيرة الزمالك سكان فقط بلا زراعة. وعلى ذلك فلا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد سكان 44 جزيرة في مصر بنهر النيل.
وختم حديثه قائلًا: أنا أعتقد أن هناك سوء إدارة وعدم تقدير للموقف، وفتح بوابات أكثر مما يجب ففي السودان تم فتح بوابات في إثيوبيا دون ضرورة، وأعتقد أن هذا ما حدث عندنا، رغم أنه لا يوجد فيضان حقيقي في إثيوبيا والسؤال: لو لم يكن هناك سد النهضة، ماذا كان سيحدث؟ سد النهضة هو الذي يخزن أكبر كمية من المياه ولو لم يكن موجودًا، هل كان الفيضان سيضرب مصر بهذا الشكل؟ ولماذا لم يحدث ذلك في عهد وزراء مثل محمود أبو زيد أو محمد عبد العاطي؟! لذلك هناك حاجة إلى مراجعات، وعلى وزير الري أن يخرج ببيان يشرح للناس سبب هذا الفيضان الأعلى مما هو موجود في السودان.
فيضان صناعي مٌفتعل
ويضيف” بيان “وزارة الري: لقد تسببت الإدارة الأحادية وغير المسؤولة للسد الإثيوبي في تغيير مواعيد الفيضان الطبيعي – الذي تحدث ذروته عادة في أغسطس – وإحداث “فيضان صناعي مفتعل” أكثر حدة وقوة في وقت متأخر من العام (جزء من شهر سبتمبر). كما أن هذا التصرف العبثي وغير المنضبط، والذي لا هدف له سوى “الاستعراض الإعلامي والسياسي”، قد ألحق خسائر فادحة بالسودان الشقيق وفقاً لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، مهدداً حياة ومقدرات شعبي دولتي المصب. ومصر كانت قد حذرت مراراً من أن وجود سد يخزن 74 مليار م³ بشكل مخالف للقانون الدولي ودون اتفاق قانوني ملزم، وفي ظل هذه العشوائية والعبث في الإدارة، يمثل خطراً دائماً ومستمراً على دولتي المصب خلال فترات الجفاف وفترات الفيضان.
تصريف كميات كبيرة يسبب تآكل ضفاف النهر
وبدوره يعلق الدكتور ضياء الدين القوصي؛ مستشار وزير الري سابقًا: أن الغرق أدى بالفعل إلى خسائر، لكن مسألة الجزر مختلفة، فهي تحدث بشكل مستمر، وأهالي هذه الجزر يعلمون جيدًا أن مناسيب المياه ترتفع بسبب زيادة المصارف الخارجة من خزان أسوان والسد العالي. وأوضح أن نهر النيل لا يعتمد على تصرف واحد، فأقل احتياجاته اليومية تبلغ 80 مليون متر مكعب من المياه.
وأكمل مستشار وزير الري”: نحن الآن لسنا في أقصى احتياجاتنا، لأن معظم الأرز تم حصاده، ومعظم الذرة والقطن أيضًا. لكننا في حالة طوارئ، وهذه الحالة جاءت نتيجة صرف كميات أكبر من السد العالي إلى مجرى النيل نفسه”.
كما أن منسوب المياه عند أسوان يصل إلى 80 مترًا، بينما عند نقطة التقاء النيل بالبحر المتوسط في شمال سيناء يكون المنسوب صفر، أي أن هناك انحدارًا شديدًا يصل إلى 80 مترًا، ما يجعل سرعة المياه كبيرة جدًا ففي حالات التصرف المعتادة في الشتاء، والتي تبلغ نحو 70 مليون متر مكعب يوميًا، تكون سرعة المياه بطيئة، وبالتالي يحدث ترسيب في النهر لكن عندما تصل التصرفات إلى 250 أو 260 أو 270 مليون متر مكعب، تصبح سرعة المياه عالية جدًا، وهو ما يؤدي إلى تآكل ضفاف النهر، وبالتالي غرق بعض الأماكن المنخفضة، وعلى رأسها الجزر.
التعويض أمر ضروري
وأضاف: نتحدث هنا على جزر كثيرة تمتد من أسوان وحتى الإسكندرية بها أعداد ضخمة من الناس ، منها جزر كبيرة مثل جزيرة الدهب أمام المعادي، وجزيرة الوراق وغيرها وفي هذه الجزر توجد أعداد كبيرة من السكان، لكن يبقى أمر التعويضات ضروريًا، فلا يمكن أن تترك الحكومة المواطنين بخسائر دون تعويض، خاصة أن أسباب هذه الخسائر مرتبطة بقرارات حكومية وظروف طارئة، وأتصور أن التعويضات ستكون 100٪، إذ لا بد أن يكون هناك تقدير كامل للخسائر.