نقاشات وجلسات حوارية في الحوار الوطني حول القرارات والأوضاع الاقتصادية المرتبطة بملايين المصريين، فالحكومة ترفع شعار الإصلاح الاقتصادي ما كبّد المصريين فواتير كثيرة مثل التعويم وغلاء الأسعار وظروف اقتصادية صعبة مثل ضغوطًا اقتصادية واجتماعية صعبة.
“قضايا التضخم، ارتفاع الأسعار، الدين العام، الاستثمار العام والخاص، وسعر العملة علاوة عن التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي”، كانت أبرز الملفات التي ناقشها الحوار الوطني، وفق ما ذكره الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التموين الأسبق وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني.
وأضاف عبد الخالق لـ “القصة”: طلب مجلس الأمناء بيانات من الحكومة لمعالجة الدعم من عيني إلى نقدي، لكنها لم تقدم أية معلومات رغم ادعائها أنها استرشدت بالحوار الوطني، في الواقع، القضايا التي أخذت الحكومة بها بشكل جزئي كانت ترتبط بالدين العام والموازنة العامة للدولة.
أما عن الدين العام، فأوضح عبد الخالق، أن الحكومة أعلنت عن وضع سقف للدين كاستشعار لخطورة هذه المشكلة، لكن عمليًا، تم تجاوز هذا السقف، وكان وزير المالية حينها يرفع السقف تدريجيًا بناءً على طلبات الحكومة، مما أدى إلى تفريغ السقف من محتواه الحقيقي، بحسب عبد الخالق، فإن هذا لا يمكن اعتباره تطبيقاً فعلياً لتوصيات الحوار الوطني.
وفيما يتعلق بالموازنة العامة للدولة، ذكر أهم توصية قدمها الحوار الوطني كانت تفعيل مبدأ “وحدة الموازنة العامة”، والذي ينص على إدراج كافة الإيرادات والمصروفات لكل الهيئات والكيانات والوزارات التابعة للدولة في وثيقة شاملة، هذا المبدأ راسخ منذ قرنين من الزمن، لكنه لم ينفذ بالكامل حتى الآن، على الرغم من إعلان الحكومة الالتزام به، إلا أن حوالي 50% من الإيرادات والنفقات الناتجة عن نشاط الدولة بقيت خارج نطاق الوحدة المالية، وبدلاً من ذلك، يتم توظيف هذه الأموال في صناديق خاصة أو تحت مسمى بيانات الهيئات العامة، وهو ما يتعارض مع توصيات الحوار الوطني التي شددت على ضرورة إدخال كل ما يتعلق بالصناديق الخاصة إلى إطار الموازنة العامة.
وعن التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، قال عبد الخالق إن الحكومة ادعت أنها استرشدت بآراء الحوار الوطني حين رفعت سعر الخبز. لكن هذا غير صحيح؛ إذ لم يصدر أي توصية واضحة عن الحوار الوطني حول ملف الدعم العيني والنقدي بسبب غياب المعلومات الأساسية اللازمة لوضع توصية دقيقة. البيانات المطلوبة تشمل تحديد الفئات المستحقة للدعم، توزيع الدعم على المحافظات، وآلية إيصال الدعم إلى مستحقيه. ورغم تصريحات الحكومة بأنها التزمت بمخرجات الحوار الوطني في هذا الجانب، أكد عبد الخالق عدم وجود أية توصية صادرة بهذا الشأن.
وأخيرًا تم إصدار توصيات مجلس أمناء الحوار الوطني بعد نقاشات مستفيضة وجمعت آراء مختلفة ومتوافقة بين كل الأطراف، هذه التوصيات، التي تم رفعها إلى الحكومة عبر رئيس الجمهورية في مارس 2024،
ومن جهته، أوضح الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، أن تحقيق بعض الوعود الاقتصادية ساهم في تعزيز الرؤية الوطنية وأهدافها الجوهرية، ولم ينفذ أي شيء آخر من توصيات الحوار الوطني.
بينما أشار الدكتور السيد خضر، الخبير الاقتصادي، إلى أن نجاح تنفيذ الوعود الاقتصادية يرتبط بمدى الالتزام بتطبيق التوصيات والسياسات المنبثقة عن الحوار الوطني وتحويلها إلى خطوات عملية.
وأكد الدكتور خضر في تصريحات خاصة، أن تقييم تأثير هذه الجهود يعتمد على متابعة المؤشرات الرئيسية مثل تحسين معدلات النمو الاقتصادي، توفير فرص العمل، ودعم القطاعات الأساسية كالصناعة والزراعة.
علاوة على ذلك، شدد على ضرورة تحقيق توازن اجتماعي عبر تحسين مستوى المعيشة والحد من الفجوة الاقتصادية بين الفئات المختلفة، مشيرا إلى أن النتائج تعتمد بدرجة كبيرة على المخصصات المالية الموجهة لهذه الخطط ومدى قدرة الاقتصاد على استيعابها دون التأثير على استقراره المالي.
وقال شريف الأسواني، منسق عام شباب أسوان ورئيس رواد مصر وعضو حزب العدل، إنه لا شك أن الحوار الوطني كان خطوة جادة نحو فتح مسارات جديدة للتنمية الاقتصادية، وقد انعكس ذلك في عدة جوانب ملموسة، فخلال الفترة الماضية بدأت الدولة في تطبيق بعض التوصيات التي خرجت من جلسات الحوار، وعلى رأسها التوسع في برامج دعم وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما وفر فرص عمل حقيقية للشباب وفتح مجالات للاستثمار المحلي.
وأوضح الأسواني في تصريحات خاصة لـ “القصة” أننا لمسنا خطوات في اتجاه تيسير الإجراءات أمام المستثمرين، وتوسيع قاعدة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، وهو ما يعزز فرص النمو ويخلق مناخًا تنافسيًا أكثر صحة، كما أن المبادرات التي أُطلقت لتشجيع الإنتاج المحلي وتقليل فاتورة الاستيراد، بدأت تؤتي ثمارها تدريجيًا، خاصة في قطاعات الزراعة والصناعة.
واختتم تصريحه بأنه بطبيعة الحال ما زال أمامنا الكثير من التحديات، لكن الأهم هو أن الحوار الوطني أسس لآلية متابعة وتنفيذ، تجعل الشباب والقطاع الخاص والمجتمع المدني شركاء أصيلين في عملية الإصلاح الاقتصادي، وليسوا مجرد متابعين، وهذا في حد ذاته مكسب مهم سيُبنى عليه الكثير في المرحلة القادمة.”
