أخبار هامة

رئيس مجلس الإدارة

محمود فؤاد

مدير التحرير

نور الدين نادر

الحكاية من أولها

رئيس التحرير

عمرو بدر

الحكاية من أولها

رئيس مجلس الإدارة

محمود فؤاد

مدير التحرير

نور الدين نادر

رئيس التحرير

عمرو بدر

هنا يُهان التراث| من سرقة الآثار لهدم مقابر الأزهر.. القاهرة تمحو تاريخها باِسم التطوير

 

تحت لافتة “التطوير العمراني” يقف التاريخ شامخًا يرفض المسخ أو التلاشي، خاصة لأنه لأعرق مدينة مثل  القاهرة، تعيش اليوم مفارقة غريبة: في حين أثارت سرقة أسورة ذهبية أثرية من المتحف المصري بالتحرير غضب الحكومة والرأي العام، تواصل مقابر ومبانٍ أثرية هامة في منطقتي السيدة نفيسة والإمام الشافعي تعرضها للهدم تحت لافتة “التطوير العمراني”، مشاهد متفرقة، لكنها جميعها تنتهي إلى نتيجة واحدة: محو الذاكرة الوطنية لصالح مشاريع عاجلة، سواء أكانت مادية أو عمرانية.

بحسب الخبراء الذين ناقشتهم “القصة”، ذكروا بأن أعمال الهدم خلل مؤسسي في إدارة التراث، حيث الجمع بين الإهمال والمصالح الشخصية يؤدي إلى فقدان آثار ثقافية ومعمارية حيوية دون أي مساءلة.

أخبار ذات صلة

IMG-20251010-WA0045
أولى مفاجآت الانتخابات.. محمود بدر يدرس الترشح مستقلًا على المقعد الفردي في شبين القناطر
19_2025-638927151280400421-40
موعد مباراة منتخب مصر أمام غينيا بيساو في تصفيات كأس العالم 2026
Screenshot_20251010_123602
الجارديان: النرويج في حالة تأهب لردة فعل ترامب بعد عدم منحه نوبل

غضب رسمي وانتقائية في المواقف

بدوره وصف وزير السياحة والآثار، الدكتور شريف فتحي، حادث سرقة الأسورة بأنها “تصرف دنيء” ناتج عن التراخي في الإجراءات الإدارية، مثل تسجيل الدخول والخروج واستخدام الأختام والعُهدة، في ظل الاعتماد المفرط على الثقة بين الموظفين، وثقافة العشم والصحوبية.

لكن الوزير نفسه لم يتطرق إلى هدم مقابر السيدة نفيسة، والذي طال مقبرتي شيخي الأزهر السابقين مصطفى المراغي وحسن مأمون، إضافة إلى مقبرة درية شفيق، مؤسسة أول حزب نسائي في مصر ومع وجود قوانين تحمي هذه المواقع ووعد رسمي باستثنائها من الإزالة، التزم الوزير الصمت تجاه ما وصفه خبراء بـ”الهدم المنظم للذاكرة الوطنية”.

زيادة وتيرة الهدم

بحسب المعلومات المتوفرة، فقد ازدادت وتيرة عمليات الهدم الحكومية خلال الأسبوع الأخير من أغسطس الماضي والنصف الأول من سبتمبر الجاري، في منطقتي مدافن السيدة نفيسة والإمام الشافعي، ضمن أعمال إنشاء محور صلاح سالم الجديد، الذي بدأ العمل فيه قبل عامين.

قبل 4 سنوات بدأت الجهة المسؤولة عن تطوير محيط السيدة عائشة وهدم المقابر التراثية في الإمام الشافعي قبل أن تطال يد التدمير مقابر السيدة نفيسة، المنطقة تضم نحو 90 مبنى ذات طابع معماري مميز.

شهادة الأهالي: صدمة وفقدان ممتلكات

عبّر أهالي منطقة الإمام الشافعي عن صدمتهم مما يجري، بعد أن امتدت أعمال الهدم إلى المقابر الأثرية والمعالم التاريخية التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، السكان أكدوا أن الأمر لا يقتصر على إزالة مبانٍ حجرية، وإنما يطال رموزًا بارزة، من بينها مقبرة أسرة محمد علي باشا، وقبة أستاذ الإمام الشافعي، متسائلين: كيف يمكن أن تُزال هذه المعالم التي تمثل جزءًا من ذاكرة المكان بكل هذه السهولة؟

وأشار الأهالي، كذلك إلى الأضرار الاجتماعية والاقتصادية التي لحقت بهم، موضحين أن أصحاب المحلات حصلوا على تعويضات تقدر بنحو 7 آلاف جنيه للمتر، غير أن هذه المبالغ لم تكفِ حتى لتغطية إيجار عام واحد في أي منطقة بديلة، بعد أن فقدوا ملكياتهم القديمة.

وهو ما ضاعف من شعورهم بالحزن والخسارة، معتبرين أن ما يحدث لا يقتصر على كونه مشروع تطوير عمراني، بل يشكل محوًا لمعالم تاريخية وإنسانية ارتبطوا بها عبر أجيال.

المشهد من الميدان.. وجع على المقابر

كاميرا “القصة” رصدت اللحظة من قلب منطقة الإمام الشافعي، أمام عدسة الهاتف المحمول، ظهر الحاج مصطفى، أحد المتضررين من قرارات الإزالة، صوته مبحوح، عيناه معلقتان على الجرافة التي تقترب من مقابر أسرته، قال بصوت مرتجف: “نزح هنا في نَزَلة لها حياتها وأكلها ومواليدها، كل ده اتدمر، مقابر بقالها مئات السنين بتتشال بالبندوزة، هو ربنا بيقول كرامة الميت دفنه، مش فحره بالبندوزر”.

ويشير بيده ناحية صف طويل من المقابر وقد انقضّت عليها آلات الهدم: “ده حوش الباشا.. ده تاريخ مصر.. هنا الباشاوات وهنا العائلات الكبيرة، إزاي يتحول كل ده إلى تراب قدام عينينا؟”.

لم يكن مصطفى وحده، بجواره وقف الحاج أحمد، شيخ سبعيني عاش في المنطقة منذ 65 عامًا، بدا صوته غارقًا في الحز، وهو يقول: “للي بيحصل ده مرار في مرار.. مقابر عمرها مئات السنين، وفجأة قرار ييجي ويقول تتشال، طب إحنا عشنا هنا وعشنا مع ذكريات أجدادنا. إزاي النهارده نمسح كل ده بجرة قلم؟”.

الكاميرا تنقل المشهد: القباب البيضاء القديمة تتهاوى، والعظام تخرج إلى العلن، في لحظة لا تشبه أي مشهد آخر سوى مشهد محو الذاكرة.

المراسل يعلق: “إحنا قدام مقابر مش أي مقابر.. دي صفحات حية من تاريخ مصر الإسلامي.. ومع كل قبة بتتهد، بيتشال معاها جزء من هوية بلد كاملة”.

الأهالي: فقدنا الأرض والذاكرة

الأهالي الذين التقتهم “القصة” لم يخفوا صدمتهم، أحدهم قال: “الأمر مش بس حجر بيتشال، ده رموز بتضيع، مقبرة أسرة محمد علي باشا، قبة الإمام الشافعي، معالم مش ممكن تتعوض. إحنا هنا مش بنفقد قبور جدودنا وبس، ده تاريخ البلد اللي بيروح”.

وأمام آثار الهدم، أضاف آخر: “الدولة عوضتنا بسبعة آلاف جنيه للمتر، بس ده مايكفيش إيجار سنة في أي مكان تاني، إحنا فقدنا بيوتنا القديمة وملكياتنا، وخسرنا حتى الروح اللي كانت مربوطة بالمنطقة دي”.

تعبيرات الغضب لم تتوقف: “مشروع تطوير؟! ده محو للمعالم، ده مسح لذاكرة مئات السنين”.

 حجاجي إبراهيم: الهدم يفضح خللاً منهجيًا

قال الدكتور حجاجي إبراهيم محمد، أستاذ آثار وعميد المعهد السويسري السابق: “بالنسبة للعصار عموما فيه عصار مادية اللي هي العمائر سواء عمارة دينية أو مدنية أو جنائزية أو دفاعية. وفيه عصار غير مادية زي التحطيب والمزمار والأمثال، وفيه عصار ثقافية مثل المباني الخاضعة للتنسيق الحضاري، هل يعقل هدم مقبرة رئيس وزراء سابق صاحب أول دستور أو أي مقبرة من أسرة محمد علي باشا كما حدث؟ مقبرة طه حسين كان عليها علامة × الحمراء لهدمها ثم تم تدارك الأمر وأصبح يعلوها كوبري، حجة الأثاري المتخلف يهدم الأثر غير المسجل لأنه لم يسجله، أو يقوم الأثاري المهمل أو المرتشي بشطب الأثر كما حدث في فيلا 29 بالهرم وكمام قنا”.

وأضاف: “أحيانًا يقوم التربي المقيم في الأثر بلعب الكوتشينة والمتزوج في الأثر بإشعال المشكلة لأنه يستفيد من الإقامة داخل الأثر”.

مجدي شاكر: الموازنة بين التطوير والحفاظ على التراث

من جانبه، قال الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار: “إن التعامل مع ملف التراث لا بد أن يقوم على التوازن بين مشروعات التنمية والحفاظ على الطابع التاريخي للمناطق الأثرية، وأوضح أن التجربة التي جرت بمدينة إسنا وحصولها على جائزة الآغا خان تمثل نموذجًا واضحًا لإمكانية الدمج بين التطوير والحفاظ على الهوية التاريخية، خاصة مع إشراك المجتمع المحلي في المشروعات”.

وأضاف شاكر في تصريح خاص لـ”القصة”، أن “التراث المصري ممتد من أسوان إلى الإسكندرية، وهو ما يتطلب خطة قومية طويلة الأمد، وليس مجرد قرارات أو ردود أفعال متفرقة”، لافتًا إلى أهمية إعداد أطلس شامل للتراث على مستوى الجمهورية ليكون مرجعًا لصناع القرار عند تنفيذ أي مشروعات عمرانية أو بنية تحتية.

وأكد أن التعاون مع منظمة اليونسكو يمثل أولوية في هذه المرحلة من أجل تأمين المواقع الأثرية وحمايتها، مشيرًا إلى أن “الدولة بدأت بالفعل التركيز على هذا الملف في اجتماعاتها الأخيرة، لكن يظل التحدي الأكبر هو ضعف الترويج الإعلامي للجهود المبذولة، وهو ما يفتح المجال أمام انتشار أخبار مغلوطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.

واختتم كبير الأثريين، في تصريحه لموقع “القصة”، مؤكدًا الحل يكمن في وضع خطة واضحة تحدد المواقع الأكثر احتياجا للتدخل العاجل، مع ضمان استدامة الحماية والترميم للمناطق الآمنة، حتى تتحول الجهود من مجرد رد فعل إلى رؤية استراتيجية طويلة المدى.

المقابر والقباب: بين النقل والهدم

أعمال الهدم في مقابر الإمام الشافعي استؤنفت بالتزامن مع هدم مقابر السيدة نفيسة، مع تعهد الحكومة بفك 3 قباب من مقابر الإمام الشافعي وإعادة تجميعها لاحقًا، نظرًا لقيمتها التاريخية.

القباب تشمل مقبرة قاسم محمد باشا، قائد الأسطول المصري في حرب الحبشة بعهد محمد علي، وقبة مقبرة حسين باشا يسري، سكرتير عام مجلس شورى القوانين، ومقبرة المستشار أحمد الخازندار، وكيل محكمة الاستئناف الأسبق الذي اغتيل عام 1948.

مخطط الهدم يشمل أيضًا حوش الدرمللي – مقبرة الأمير محمد فاضل باشا الدرمللي – المبني عام 1868 على مساحة نحو 900 متر، ويضم 7 مدافن رئيسية و20 مدفنًا فرعيًا.

المصادر ذكرت أن القباب ستُنقل وتُعاد تجميعها بجوار قبة ابن عطاء الله السكندري في المقطم بعد مفاوضات طويلة مع الأسر، على أن تتحمل الأسر تكاليف تجميل الواجهات.

أما مقبرة يحيى إبراهيم، رئيس وزراء مصر عام 1923، فقد تم هدمها بالكامل، تمامًا كما فقدت أسورة المتحف المصري بعد أن تم تسييحها في مسبك دهب.

تدمير الذاكرة الوطنية: عبر التاريخ والمجتمع

سواء في حادث سرقة المتحف أو الهدم المستمر للمقابر، النتيجة واحدة: التاريخ يتعرض للنهب والتلاشي، الفارق الوحيد أن الأولى تُدان، بينما الثانية تُسوغ، النتيجة: ضعف منظومة حماية التراث، وتغول مصالح عاجلة على ذاكرة أمة كاملة.

في إبريل 2024، الأمطار التي شهدتها الإمارات كشفت عن زجاجة “بيبسي كولا” تعود للستينييات، فاحتفت الصحافة بها كجزء من الذاكرة الوطنية، في المقابل، القاهرة تدمر سنينًا من التراث التاريخي الفريد بدون أي اعتبار، مجرّدة التطوير من أي قيمة ثقافية أو إنسانية.

القاهرة تحتاج تطويرًا عمرانيًا، لكنه يجب أن يكون عبر ترميم الآثار وتجميلها والترويج لها، وليس عبر تدميرها، هدم التراث هو العكس تمامًا لأي مفهوم للتطوير في أي بلد يحترم تاريخه وهويته.

شارك

اقرأ أيضًا

شارك

الأكثر قراءة

2758890_0
ليس ترامب.. نوبل للسلام تذهب إلى الفنزويلية ماريا كورينا
قفغفا
إعمار غزة.. من يأكل الكعكة؟
images - 2025-10-10T112921
الديوك الفرنسية في اختبار جديد أمام أذربيجان لحسم الصدارة مبكرًا
Screenshot_20251010_111427
إعلام عبري: الجيش الإسرائيلي ينسحب من عدة مناطق في غزة

أقرأ أيضًا

Screenshot_20251006_093021
طقس اليوم الجمعة.. خريفي معتدل مع انخفاض طفيف في درجات الحرارة
IMG-20251010-WA0026
"مقلد": اخترت العودة إلى شجر دمياط في "سكة بيضا"
أبوظبي تعلن استضافة كأس السوبر المصري
أبوظبي تعلن استضافة كأس السوبر المصري نوفمبر المقبل
«شات جي بي تي» يطلق متجر التطبيقات الذكية
"شات جي بي تي" يتيح استخدام التطبيقات الذكية داخل المحادثة