بين العلاج والإدمان خيط رفيع قد لا يلتفت إليه الكثيرون، فالأدوية التي وُجدت لتخفيف الألم أو علاج بعض الاضطرابات النفسية والجسدية، من الممكن أن تتحول مع سوء الاستخدام إلى باب خلفي لعالم الإدمان.
في مصر، لم يعد الحديث عن المخدرات مقتصرًا على المواد المعروفة، بل باتت بعض العقاقير الطبية في صدارة المشهد، بعدما استغلها البعض بعيدًا عن إشراف الطبيب، فتحولت من وسيلة للشفاء إلى سبب مباشر للدمار النفسي والجسدي.
قضية إساءة استخدام الدواء عرض مستمر، فالمدمنون يضاعفون الجرعات، ويتخذون الأدوية التي يدخل في تركيبها “مواد مخدرة” بوابة لفقدان الوعي، وهنا لا بد من تدخل الجهات الرقابية في الحظر، وإدراجها في جدول أول أو ثانٍ أو ثالث؛ لإحكام الرقابة في صرفها بحسب الخبراء.
فيما يرى آخرون أن الحظر ليس الحل الجذري، مطالبين بضرورة عمل منظومة تتبع دوائي؛ لأنها تساعد بشكل كبير في إحكام الرقابة على الأصناف الدوائية التي يتم إدمانها بشكل مستمر.
القضية طفت على السطح بعد المعلومات الصادرة عن هيئة الدواء المصرية، التي أعلنت أنها تدرس فرض قيود جديدة على تداول دواء “الجابابنتين”، بعد تحذيرات متزايدة من خبراء وأطباء نفسيين ومتخصصين في علاج الإدمان بشأن إساءة استخدامه وبيعه في السوق المحلي دون روشتة طبية.
“يتم تحويل بعض الأدوية من وسيلة علاج إلى الإدمان ما يسبب دمارًا نفسيًا وجسديًا للشخص”، هكذا صرحت لـ”القصة” الدكتورة نسرين صلاح الدين، رئيس قسم الأدوية والسموم بكلية الصيدلة جامعة القاهرة.
إدراج 14 صنفًا في 2021
يُذكر أن وزارة الصحة أدرجت نحو 14 صنف دواء ضمن جدول المواد المخدرة، والتي جاء أبرزها أدوية الكحة والسعال نظرًا لاستخدامها دون استشارة طبيب مثل “توسكان، وتوسيفان”، وأقراص “كونجستال”.
وأصدرت الوزارة، قرارًا سابقًا حمل رقم 475 لسنة 2019، بإضافة مادة “البريجبالين” وأملاحها ونظائرها ومستحضراتها إلى الفقرة “د” من الجدول رقم 3 الملحق بقانون مكافحة المخدرات رقم 182 لسنة 1960. وكان فحوى القرار أن سوء استخدام هذه الأدوية كمهدئ للأعصاب ومسكن للآلام يؤدي إلى الإدمان مع الاعتياد على تناولها.
طرح موقع “القصة” سؤالًا: هل الاستخدام السيئ للأدوية وراء انتشار مراكز الإدمان في مصر؟، والرد عليه تواصل مع المدير التنفيذي لجمعية “الحق في الدواء” محمود فؤاد.
وقال: في أقل من 4 أيام ماضية تم التحفظ على أكثر من 9 مراكز إدمان غير مرخصة، في حين توجد 5 مرخصة فقط، ما يشير إلى وجود 14 مركز مكافحة إدمان في مركز واحد بإحدى محافظات الوجه البحري، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة.
جدير بالذكر، أنه تم إنشاء 30 مركزًا علاجيًا تابعين لصندوق مكافحة الإدمان والجهات الشريكة في 19 محافظة، بعدما كان عدد المراكز العلاجية لا يتجاوز 12 مركزًا في 7 محافظات، ما يعكس زيادة مراكز علاج الإدمان.
عقار الجابابنتين
ووفقًا لما ذكره “فؤاد” لـ”القصة”، فإن هيئة الدواء تتجه لإلزام الشركات المصنعة بتوزيع الدواء عبر شركات التوزيع فقط، مع حظر بيعه لمخازن الأدوية، على أن يتم تحديد “كوته” لكل صيدلية بواقع 100 علبة شهريًا، وصرف علبتين فقط للمواطن الواحد، وذلك في مرحلة تجريبية أولى.
كما أن أغلبية الأدوية في مصر يتم صرفها من غير روشتة أو إشراف طبي، إلى جانب ذلك، تطرح هيئة الدواء فكرة صرف عدد محدد من الأدوية من خلال شركات توزيع، بحيث تحصل الصيدلية على 20 علبة، ويُسمح للمريض بالحصول على علبتين فقط من جميع الأدوية التي تحتوي على نسبة من المواد المخدرة.
وبالتالي يحاولون السيطرة على الأمر، وهذه تجربة تسعى الهيئة لتفعيلها، وإن لم تنجح الفكرة سيلجأون إلى إدخال الدواء ضمن الجدول للصرف، والأخطر أن هناك شركتين حققتا أرباحًا بالملايين نتيجة بيع هذه الأصناف التي يزداد عليها الطلب بكميات ضخمة.
تحذير من المهدئات وأدوية الكحة
كما أضافت أستاذة السموم والأدوية بكلية الصيدلة – جامعة القاهرة: مع ذلك ليست كل الأدوية تسبب الإدمان، ولكن هناك أدوية معينة لها تأثير كبير على الجهاز العصبي المركزي وتسبب الإدمان، مما يجعل المريض يشعر بحالة من الراحة والهروب من الواقع أحيانًا.
كما حذرت من بعض الأدوية التي يجب الانتباه عند استخدامها، مثل: المسكنات القوية (ترامادول، مورفين، أوكسي كودون)، ومهدئات القلق والنوم (ألباكس، لورازيبام) التي يتناولها المرضى بسبب التوتر وعدم القدرة على النوم بشكل صحي، وكذلك مضادات السعال أو الكحة.
سوء الاستخدام وغياب الإشراف الطبي
وشرحت لـ”القصة”: يبدأ الإدمان بعد الاعتماد الجسدي على مثل هذه الأدوية، أي التعود على وجود المادة داخل الجسم، والاعتماد النفسي أيضًا، وزيادة الجرعة تدريجيًا باستخدام الأدوية من غير إشراف طبي أو بالاعتماد على أشخاص آخرين.
وأشارت إلى مخاطر وأضرار هذه الأدوية على المريض أو المدمن تدريجيًا: دوخة، إمساك، تعب، ضيق في التنفس على المدى القريب. أما على المدى البعيد فتسبب تلف الكبد والكلى وتعب القلب والجهاز العصبي. وفي التأثير النفسي: قلق، اكتئاب، تقلبات مزاجية، قد تؤدي على المدى البعيد إلى عزلة اجتماعية واضطرابات نفسية مزمنة.
ضرورة التوعية الإعلامية
كما طالبت بضرورة التوعية الاجتماعية والإعلامية بأهمية التفريق بين الدواء والمخدر، بحيث تكون التوعية الاجتماعية موزعة بشكل صحيح على مستوى الجمهورية، بالإضافة إلى تفعيل الرقابة الصيدلانية عن طريق منع صرف هذه الأدوية بدون روشتة، مع رقابة إلكترونية على الروشتة.
بالإضافة إلى تدريب الأطباء والصيادلة على صرف الأدوية بحذر وفي حالتها الصحيحة، وتوفير بدائل علاجية غير دوائية مثل العلاج السلوكي والطبيعي، وهو منتشر جدًا في أوروبا وبدأ في الدول العربية، وفتح مراكز تأهيل متخصصة وبرامج انسحاب دوائي آمنة يجب أن تكون تحت إشراف طبي.
أما في الحالة التي تستدعي تناول هذا الدواء بالتحديد، فيجب اتباع الآتي: أن يكون تحت إشراف الطبيب وللمدة التي يحددها. أما إذا شعر المريض أنه بدأ يعتمد عليه، فعليه أن يطلب المساعدة فورًا من مركز تأهيل أو طبيب نفسي. وبالنسبة للطبيب أو الصيدلي، فعليه أن يتبع البروتوكول الطبي ويقوم بالتوعية الطبية.
