المشهد الراهن داخل حزب الدستور يعكس معيشته واحدة من أعقد أزماته منذ تأسيسه، فالرئاسة الحالية للحزب بقيادة جميلة إسماعيل ما زالت محل جدل واسع: هل هي الرئيسة الشرعية التي تملك صلاحية اتخاذ القرارات باسم الحزب، أم أن ولايتها انتهت بعد انقضاء مدتها وفق اللائحة في نهاية يوليو 2025، لتصبح قراراتها مثار طعن وتشكيك من جانب معارضيها؟ هذا الغموض زاد من حدة الاستقطاب بين قيادات الحزب وأعضائه.
من الناحية القانونية، لا يزال موقع جميلة إسماعيل على رأس حزب الدستور محل جدل، فبينما أصدرت لجنة شؤون الأحزاب السياسية في 2024 قرارًا يقضي بخلو منصب رئيس الحزب وضرورة الدعوة لانتخابات جديدة، لجأت “إسماعيل” وحزبها إلى القضاء الإداري للطعن على القرار.
الحزب بالحرية والشفافية للشعب بينما يفتقر إلى آليات ديمقراطية مستقرة داخله
وخلال سبتمبر 2025، أوصت هيئة مفوضي الدولة بمجلس الدولة بإلغاء قرار اللجنة، مؤكدة استمرار صفة “إسماعيل” رئيسة وممثلة قانونية للحزب، إلا أن الحكم النهائي من المحكمة الإدارية العليا لم يصدر بعد، ما يبقي وضعها بين اعتراف قانوني غير مكتمل وخصومة إدارية مفتوحة.
وفي الوقت الذي تستعد فيه الأحزاب المصرية للانتخابات البرلمانية المقبلة، يواجه “الدستور” أزمة داخلية تتعلق أيضًا بموعد وآليات الانتخابات الداخلية لتجديد قياداته.
فبينما تطالب بعض الأصوات بسرعة الدعوة إليها حفاظًا على الحد الأدنى من الممارسة الديمقراطية، ترى أطراف أخرى أن التوقيت الحالي قد يفتح الباب أمام مزيد من الانقسامات.
هذا المشهد يضع الحزب، الذي تأسس في الأساس كرمز للمعارضة المدنية والديمقراطية، أمام اختبار حقيقي: كيف يطالب بالحرية والشفافية للشعب بينما يفتقر إلى آليات ديمقراطية مستقرة داخله؟ وما مدى تأثير هذه الصراعات على ثقة الجمهور به كأداة سياسية فاعلة؟
“عبد الناصر”: تصرفات المعترضين تمثل مخالفة واضحة لسياسة ائتلاف الديمقراطيين
في هذا الإطار، وتعليقًا منه على الأحداث الأخيرة داخل الحزب، نشر عبدالناصر عبدالحي عضو حزب الدستور منشورًا ذكر فيه أن الاتهامات الموجهة من قبل علاء الخيام وبلال سعيد تأتي في توقيت غير مناسب وتهدف لتشويه صورة الحزب والإضرار بمصداقية الائتلاف.
واعتبر أن تصرفات المعترضين تمثل مخالفة واضحة لسياسة ائتلاف الديمقراطيين، وكسرًا للتفاهمات المباشرة مع إدارة الائتلاف، مؤكدًا أن الهدف من هذه التحركات هو زرع الفوضى وإضاعة الوقت بدلًا من التركيز على التحضير الجاد للانتخابات البرلمانية والداخلية للحزب. ودعا عبدالحي جميع أعضاء الحزب إلى عدم الالتفات لهذه المحاولات اليائسة، ومواصلة العمل على دعم الوحدة الداخلية، والالتزام بسياسات القنوات الرسمية للائتلاف في إدارة أي خلافات أو اعتراضات، مع التأكيد على وضع مصلحة الحزب والوطن فوق أي خلافات شخصية أو سعي وراء الأضواء.
بلال سعيد: بعض القرارات بحق المعترضين كانت غير شرعية وباطلة وتحمل دوافع انتقامية
وردًا على هذه الاتهامات، صرح بلال سعيد لـ”القصة” بأن هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة، وأن الأزمة داخل الحزب مرتبطة بالشرعية.
وأوضح أن الجبهة المعترضة تتكون من غالبية أعضاء الهيئة العليا، من أمناء المحافظات والأمانات الوظيفية المنتخبين من الجمعية العمومية، وأن بعض القرارات التي اتخذت بحقهم كانت غير شرعية وباطلة وتحمل دوافع انتقامية، مما أشعل الصراع داخل الحزب.
كما أشار إلى أن زملاءه نشروا وثيقة تثبت اعتماد تشكيلهم في الهيئة العليا لدى لجنة شؤون الأحزاب، وهو ما يوضح أن المعترضين يشكلون الأغلبية.
ولفت إلى أن هذه الخلافات داخل الحزب بدأت قبل بدء الموسم الانتخابي بفترة، وكان من المفترض أن تتولى القيادة السابقة مسؤولية رأب الصدع القائم داخل الحزب، إلا أن ذلك لم يحدث، ما ساهم في تفاقم الانقسامات قبل أي انتخابات.
الممارسات الديكتاتورية والإقصائية
وأضاف “سعيد” أن اعتراضهم على التحالفات جاء بسبب تجاوز القيادة السابقة للأعضاء وتهميشهم في صياغة القرار السياسي للحزب، موضحًا أن خطوة إعلان التحالف جاءت بشكل فردي من رئيسة الحزب السابقة دون الرجوع للأعضاء أو فتح حوار داخلي، وهو ما اعتبره جزءًا من ممارسات ديكتاتورية شملت التحكم في جروب الأعضاء الداخلي واستبعاد أو طرد أي رأي مخالف، وهي المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه الممارسات داخل الحزب.
وأخيرًا، لفت إلى أن الأزمة الحالية نشأت أساسًا بسبب الممارسات الديكتاتورية والإقصائية التي انتهجتها رئيسة الحزب السابقة، من قرارات فصل تعسفية بحق أمناء منتخبين إلى تعيين أشخاص غير ذوي صفة لمجرد الولاء والطاعة.
وأضاف أن المحاولات للسيطرة على جروب الحزب الداخلي وصفحة الحزب الرسمية واستبعاد أي رأي مخالف لم تحدث من قبل منذ تأسيس الحزب، مما جعل هذه الأزمة فريدة في تاريخ الحزب.
ومع استمرار اشتعال الأزمة داخل حزب الدستور بين مؤيد ومعارض لإدارة الحزب، صرح علاء الخيام، الرئيس الأسبق للحزب، لـ”القصة” معلقًا على الأحداث الحالية داخل الحزب وما يثار بشأن الديمقراطية الداخلية، مؤكدًا أن الخلافات الموجودة ليست ضعفًا، بل دليل على حياة الحزب وفاعليته. وأضاف أن أي حزب يخلو من اختلافات يكون في الواقع حزبًا ميتًا، وأن الجدل الدائر حول مسألة الشرعية واستمرار بعض الأعضاء بعد انتهاء مدة ولايتهم يعكس ممارسة الديمقراطية داخل الحزب قبل رفع شعاراتها في الشارع، مشددًا على أهمية أن يظل الحزب مكانًا للنقاش المفتوح مهما كان حجم الخلافات.
وضوح الحزب وشفافيته
وأشار “الخيام” إلى أن أي حزب سياسي يمر بمراحل قوة وضعف، وأن حزب الدستور ما زال قائمًا ويحافظ على مكانته كحزب تأسس بعد ثورة يناير ومثّل حلم التغيير، معربًا عن ثقته في قدرة الحزب على التعافي واستعادة قوته رغم الظروف الصعبة.
وبخصوص تأثير الخلافات على مصداقية الحزب، أكد أن هذه الخلافات ليست بالضرورة عامل تراجع، بل قد تزيد الثقة إذا شاهد الناس أن الحزب يتعامل مع مشاكله في العلن وبشفافية.
وأوضح أن الجيل الجديد يبحث عن ممارسة ديمقراطية حقيقية بعيدًا عن الشعارات، وأن ظهور النقاشات الداخلية يعزز صورة الحزب ككيان صادق يتعامل مع اختلافاته بشفافية.
وعن رد فعل الجمهور على الأزمة، رأى “الخيام” أن جزءًا من الناس قد ينزعج من شكل الخلافات، لكن هناك شريحة أخرى ستعتبرها دليلًا على وجود نقاش حقيقي، مؤكدًا أن مواجهة المشاكل في العلن تعكس وضوح الحزب وشفافيته.
كما اعتبر أن الأزمة الحالية طبيعية في أي حزب حي، لكنها تشير إلى أن الأحزاب المدنية في مصر لا تزال أمامها تحديات كبيرة لبناء مؤسسات قوية ومستقرة. وأوضح أن مسؤولية الأفراد والقيادات كبيرة، وأن الحزب يحتاج أيضًا لآليات ديمقراطية واضحة وصرامة لحسم الخلافات وتجنب تحولها إلى نزاعات شخصية.
وأكد أن حزب الدستور ما زال لديه فرصة كبيرة لإثبات نفسه كحزب ديمقراطي حقيقي، مشيرًا إلى أن المصداقية لا تُفقد بسبب خلافات مؤقتة، لكنها تضيع إذا لم يواجه الحزب مشاكله بشكل حقيقي، وأن التعلم من الأزمات يضمن استعادة قوته والتزامه بالديمقراطية.
وأشار “الخيام” إلى أن الانقسامات الداخلية ليست ظاهرة فريدة لحزب الدستور، فهي موجودة بدرجات مختلفة في معظم الأحزاب المصرية، لكن ما يميز الدستور هو التعامل العلني مع الخلافات، ما يعكس التزامه بالشفافية ويعطي الجمهور فرصة لمتابعة النقاشات الحقيقية، مؤكدًا أن مواجهة التحديات جزء من ضريبة العمل السياسي الجاد.
وختامًا، تمنى أن يتجاوز حزب الدستور هذه المرحلة الصعبة، وأن يسعى العقلاء من جميع الأطراف داخل الحزب للحفاظ على استمراره وتوجهاته التي تأسست في ثورة يناير مع الدكتور محمد البرادعي. فقد دفع الحزب ثمنًا كبيرًا للحفاظ على قيمه ومبادئه، مثل تداول السلطة وإجراء انتخابات ديمقراطية.
ودعا الإدارة الحالية أو السابقة إلى الاجتماع مع الهيئة العليا لمحاولة توحيد الصف، خاصة وأن هناك مبادرات من قيادات سياسية في الحركة المدنية لرأب هذا الصدع احترامًا ومحبة لحزب كبير مثل الدستور.
وأكد أن الطرفين لديهما رغبة حقيقية في الإصلاح، ويمكن الوصول إلى حلول لأي نقاط خلاف، بما يضمن استمرار الحزب واستقراره.
تحالف “الطريق الحر” يواجه أزمة مشابهة
كما واجه تحالف “الطريق الحر”، الذي تأسس بين حزب المحافظين وحزب الدستور عام 2025، عدة تحديات منذ انطلاقه، أبرزها الانتقادات الموجهة لطريقة اتخاذ القرارات داخل الأحزاب المشاركة، حيث اعتُبرت بعض القرارات تُتخذ من “فوق” دون استشارة الأعضاء. كما أثار التحالف تساؤلات حول مدى قدرته على تمثيل مصالح الشعب المصري بشكل حقيقي، خصوصًا في مواجهة تيارات الموالاة التي تهيمن على بعض البرلمانات وتفرض صوتًا واحدًا.
يُذكر أن مبادرة تشكيل التحالف جاءت من حزب المحافظين بهدف تقديم بديل ليبرالي يعكس صوت المواطنين المصريين ويعزز المشاركة السياسية بعيدًا عن البرلمانات المهندسة. ويُدار الحزب عبر مجلس رئاسي وهيئات تشاورية لضمان مشاركة الأعضاء في اتخاذ القرارات، فيما يسعى التحالف لتقديم خطاب واضح وبديل فعلي للمواطن، مع التركيز على تمثيل مصالحه داخل البرلمان.
وصرح محمد تركي، المتحدث الإعلامي لحزب المحافظين، لموقع “القصة” أن مبادرة تشكيل تحالف “الطريق الحر” جاءت من حزب المحافظين في محاولة لتكوين تحالف ليبرالي يمثل بديلاً عن تيارات الموالاة في الانتخابات، ويعكس صوت المواطن المصري بشكل صادق وجدي.
وأضاف تركي أن مشاركة الأعضاء في اتخاذ القرارات داخل الحزب مضمونة من خلال مجلس رئاسي وهيئات مختلفة، حيث تتشاور هذه الهيئات وتتخذ قراراتها التي تُرفع إلى المجلس الرئاسي، الذي يقوم بمراجعتها واتخاذ القرار النهائي.
وأكد أن الحزب لا يُدار بيد رئيس واحد فقط، بل يعتمد على هيكلية تشاركية تضمن مشاركة كافة الأعضاء، وهو ما يرد أيضًا على الانتقادات التي تقول إن بعض الأحزاب تتخذ قراراتها من فوق ومن دون استشارة الأعضاء.
وفيما يخص أهداف التحالف، أوضح تركي أن الهدف الرئيسي هو تقديم بديل للمواطن المصري يعبر عن مصالحه الحقيقية داخل البرلمان بعيدًا عن البرلمانات المهندسة التي تسيطر عليها الموالاة وتخلق صوتًا واحدًا لا يعكس مصالح الشعب، التحالف يسعى أيضًا إلى تعزيز مشاركة المواطنين ومنحهم صوتًا حرًا يعبر عن مصالحهم بشكل فعلي.
وأشار المتحدث الإعلامي إلى أنه لا توجد حاليًا خطة لتوسيع التحالف ليشمل أحزابًا أخرى بسبب ضيق الوقت، حيث إن الانتخابات على الأبواب خلال شهر تقريبًا، لكنه أوضح أن هذا التحالف قد يكون نواة لتحالف سياسي أوسع بعد الانتخابات داخل البرلمان.
وبالنسبة للتحديات، قال تركي إن التحالف يواجه التحديات الطبيعية لأي حزب يسعى للوصول إلى المواطنين، مثل تقديم خطاب واضح، والوصول للشارع، ومواجهة العزوف السياسي، وإقناع المواطنين بالمشاركة والدفاع عن صوتهم.
كما نفى وجود أي خلافات داخلية بين حزب المحافظين وحزب الدستور، مؤكدًا أن أي خلافات داخل حزب الدستور هي شأن داخلي يخصهم ولا علاقة لحزب المحافظين بها، وأن التحالف تم مع الحزب ككيان وليس مع أشخاص بشكل منفصل.