من على متن قارب ” عمر المختار” تعالت الأصوات مطالبة بفك الحصار عن قطاع غزة، وفي قلب البحر أيضا برز صوت “رباب مصطفى” الناشطة ذات الأصول المصرية والجنسية الكندية.
ليست رباب مصطفى مجرد ناشطة مصرية تحمل جوازي سفر، أحدهما كندي يفتح لها أبواب السفر، والآخر مصري يُرسخ معنى الأصالة، إنما الكفاح والمقاومة في ثوب غير تقليدي يصوغ الشعارات الرنانة إلى مواقف على أرض الواقع بعيدا عن التزييف لتبقى نموذجا حيا لمعنى النضال.
رسالة عميقة
رباب اختارت أن تقف على الحد الفاصل بين العالمين، لا لتتشت بينهما، بل لتصوغ لنفسها هوية ثالثة: هوية المقاومة العابرة للحدود، حين صعدت إلى متن “عمر المختار” ضمن أسطول الصمود، لم تكن تحمل فقط إمدادات إلى غزة، بل رسالة شخصية عميقة: أن الحرية ليست امتيازا تمنحه دولة غربية، بل موقف إنساني يدفع ثمنه من يقرر أن يقول “لا” في وجه القوة.
الخيار الصعب
من يعرف رباب عن قرب، يدرك أنها لم تصل إلى هذه اللحظة صدفة، خلفيتها الأكاديمية وعملها الحقوقي في كندا وضعاها أمام خيار سهل: أن تكتفي بالبيانات والتقارير، أو أن تذهب بنفسها إلى قلب البحر، في مواجهة مباشرة مع قوات مدججة بالسلاح، اختارت الثانية، لأنها ترى أن الكلمات تفقد قيمتها ما لم تدعمها الأفعال.
جين المقاومة
ما يميّز رباب ليس شجاعتها فقط، بل قدرتها على إعادة تعريف “المواطنة”، بالنسبة لها، أن تكون مصرية لا يعني أن تعيش داخل حدود جغرافية، بل أن تحمل جينا مصريا من مقاومة الاستعمار والظلم، وأن تكون كندية لا يعني التماهي مع الغرب، بل استثمار الحرية المتاحة هناك لتسليط الضوء على من حُرموا منها هنا، هذه المعادلة الفريدة جعلتها صوتا مسموعا في دوائر مختلفة: عربية ترى فيها انعكاسا للأمل، وغربية ترى فيها ضميرا مزعجا يرفض الصمت.
سجل من نور
في النهاية، قد تُسجَّل رباب مصطفى كاسم آخر في قائمة “النشطاء”، لكن من يتأمل مسيرتها يدرك أنها أبعد من ذلك: إنها جسر بشري بين ثقافتين، لتؤكد أن الهويات ليست جوازات سفر، بل مسؤوليات، وحين يذكر التاريخ رحلة “عمر المختار”، سيتذكر أن بين ركابه امرأة مصرية كندية قررت أن تجعل من البحر منبرا، ومن الرحلة إعلانا شخصيا بأن العدالة لا تعرف جنسية ولا هوية إنما يبقى صوت الإنسانية هو المعيار.