مرر مجلس النواب مشروع قانون الإجراءات الجنائية وسط إشادات واسعة من أعضائه، الذين اعتبروا المشروع “إنجازا تشريعيا” وخطوة غير مسبوقة نحو تحقيق العدالة، إضافة إلى منح المتهمين ضمانات أوسع. إلا أنه سريعا ما تبدل المشهد بعد توجيه الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية برد المشروع إلى البرلمان؛ إذ نفس الأصوات بمجلس النواب لتصف القرار بأنه “خطوة ضرورية” لتصويب بعض المواد وتحقيق توازن أكبر بين سرعة التقاضي وضمانات الحرية.
تحول لافت
هذا التحول كشف تناقضا لافتا في مواقف عدد من النواب، من الدفاع الحاد عن المشروع عند التصويت عليه، إلى الترحيب بعودته للمراجعة باعتباره دليلًا على حرص الدولة على حماية حقوق المواطنين.
الجدل كان تخطى حدود البرلمان إلى الاشتباك مع نقابة الصحفيين والنقابة العامة للمحامين ومنظمات حقوقية وجهت انتقادات لعدد من المواد، معتبرة أنها ستستخدم للتضييق على الحريات أو تفسر بشكل يضر بحقوق المتهمين، واعتبرت اللجنة التشريعية بالتوابل أن تلك الاعتراضات “مبالغ فيها” وتنتقص من “جهد الخبراء الذين أعدوا القانون”، مؤكدة أن المشروع خضع لمناقشات مكثفة داخل اللجان النوعية.
لكن بيان البرلمان الأخير، عقب قرار الرئيس، حمل لهجة مختلفة، فقد أشاد البيان بما وصفه “حسا وطنيا وبصيرة دستورية” للرئيس.
وأكد البرلمان بعد ذلك أن إعادة المشروع تمثل حرصا على أن يصدر القانون بصياغة دقيقة ومتوازنة، كما ذكر البيان بما تضمنه المشروع من مواد جديدة مثل تعويض المحبوس احتياطيًا وتنظيم قوائم المنع من السفر وإتاحة المحاكمة عن بُعد، لكنه أقر ضمنيًا بوجود مواد تحتاج إلى إعادة صياغة.
مبررات التراجع
حازم الجندي، عضو مجلس الشيوخ، اعتبر أن القرار يعكس “حرص الدولة على تحقيق العدالة الناجزة دون الإخلال بحقوق المتهمين”، بينما وصف النائب أيمن محسب إعادة المشروع بأنها “فرصة حقيقية لتدارك النصوص الخلافية مثل مواد حرمة المسكن وضمان وضوح الإجراءات”.
محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية، كان أحد أبرز المدافعين عن مشروع القانون خلال مناقشته داخل البرلمان، مؤكدًا حينها أن النصوص الجديدة تحقق التوازن بين العدالة وحقوق المتهمين وأنها جاءت بعد مراجعة شاملة من خبراء القانون.
بعد قرار الرئيس برد المشروع، عاد فوزي ليؤكد أن الخطوة تمثل “حرص القيادة السياسية على إخراج قانون متكامل”، مشيرًا إلى أن إعادة المراجعة تعزز من جودة التشريع. هذا التحول في الخطاب عكس حجم التباين داخل المؤسسة التشريعية بين لحظة الإقرار ولحظة إعادة النظر.
هذه التحولات المتسارعة في المواقف، تعكس أزمة أعمق تتعلق بآلية صناعة التشريع في مصر، فالقوانين التي تمر بشبه إجماع داخل القاعة، تعود كأن دفاعا لم يكن، بمجرد تدخل رئاسي، ما يطرح سؤالًا حول جدوى المناقشات البرلمانية إذا كانت النتيجة النهائية تترك للحظة التصحيح من خارج المجلس.