داخل مشهد يلخص قسوة الحرب وإصرار الشباب الفلسطيني على التمسك بحقهم في التعليم، خاضت الطالبة ريتاج امتحان الثانوية العامة عبر هاتفها المحمول، بينما كانت محاطة بالركام بعد قصف البناية التي نزحت إليها مع أسرتها.
كانت ريتاج، المعروفة بتفوقها وإصرارها على النجاح، قد حفظت المنهج الدراسي على مدار عامين كاملين، غير أن ظروف النزوح والتهديدات بالقصف أجبرتها على مغادرة مكانها في أثناء تقديم الامتحان، لتقطع نحو 400 متر سيرًا على الأقدام وتجلس على حجر في الشارع، متصلة بشبكة إنترنت عامة، في محاولة لإكمال الإجابة على أسئلة الامتحان.
وبينما كانت منهمكة في الإجابة، استهدفت غارات إسرائيلية البناية التي كانت تؤويها، ليتحول حلم الراحة والطمأنينة إلى سباق مع الوقت من أجل إثبات الوجود رغم انعدام المقومات الأساسية للتعليم. فقدت ريتاج وأسرتها بعدها كل ما يملكون من ملابس وأغطية وأوانٍ منزلية، ولم يتبقَّ لها سوى بعض الرزم وهاتفها المحمول.
وطوال تلك اللحظات العصيبة، لم تفكر ريتاج في الخسارة بقدر ما كانت تفكر في أن تُكمل الامتحان، لتثبت لنفسها وللعالم أن الحرب مهما اشتدت لن تنتزع منها حلمها بالتعليم. لم يكن الامتحان مجرد ورقة وأسئلة، بل كان معركة إرادة، خاضتها بجلَد وهي جالسة على حجر فوق الركام، تحيط بها رائحة الغبار والدخان.
ريتاج، التي حلمت أن تدخل الجامعة وتحقق إنجازًا أكاديميًا يرفع اسمها واسم وطنها، لم تطلب الكثير؛ فقط بيئة هادئة تمكنها من التركيز مثل بقية طلاب العالم. لكنها وجدت نفسها تقدم الامتحان بين أصوات الانفجارات، بعد أن فقدت منزلها ومقومات العيش الأساسية.
قصتها تعكس المأساة التي يعيشها آلاف الطلبة الفلسطينيين الذين يقاتلون من أجل حق طبيعي هو “التعليم”، في ظروف استثنائية قد تحرمهم حتى من أبسط وسائل الاستعداد النفسي. ورغم ذلك، فإن عزيمة ريتاج تشهد أن جيلًا بأكمله يصر على التشبث بمستقبله، مؤكدًا أن القصف قد يهدم البيوت، لكنه لا يستطيع هدم الأمل.