في مشهد، قلما يحدث، اجتمع مجلس نقابة الصحفيين، أمس الأحد، في مقر جريدة “الوفد” الناطقة باسم الحزب، ووجه التحية للزميلات والزملاء بجريدة وبوابة “الوفد” على مطالبتهم الحضارية بحقوقهم، مؤكدا أن الزملاء ضربوا مثلًا رائعًا في الالتزام بالأطر القانونية والنقابية المتاحة خلال اعتصامهم للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور (7 آلاف جنيه).
وثمّن المجلس في بيان، النموذج المشرّف، الذي قدمه الصحفيون والإداريون والعمال في “الوفد” من خلال اعتصام حضاري واعٍ ومسئول.
وبعد أن حيا المجلس رئيس الحزب ورئيس مجلس إدارة الجريدة عبد السند يمامة، لاستجابته لمطالب العاملين، حث المعتصمين على فض اعتصامهم، بعد أن بدأت الإدارة بالفعل في تنفيذ الاتفاق المبرم بينها وبين المعتصمين، والذي وقع عليه كذلك نقيب الصحفيين خالد البلشي واللجنة النقابية للمؤسسة برئاسة الدكتور محمد عادل ونقابة العاملين بالطباعة والإعلام والنشر، وهو ما استجاب له المعتصمون.
هذا الاجتماع النقابي “النادر”، لم يكن ليحدث لولا وحدة وقوة العاملين بالوفد، ولجنتهم النقابية وصلابة موقف نقابة الصحفيين، إلى جانب حرص حزب الوفد، الذي قبل استضافة الاجتماع، على أن يحافظ على ما تبقى من صورته التاريخية، كحزب ليبرالي عتيق.
واعتصام الوفد، الذي استمر لمدة 6 أيام، يعد صرخة في وجه التجاهل والتهميش والافقار، وحلقة في سلسلة الاحتجاجات العمالية، التي زادت وتيرتها مؤخرا في الصعيد والإسكندرية والقاهرة، لتطبيق الحد الأدنى للأجور وزيادة المرتبات، ومن المؤكد أنه سيفتح الطريق أمام احتجاجات أخرى، مما يجعل من المهم محاولة استخلاص الدروس والعبر.
أولا: اختيار موعد المعركة
اختار العاملون أن يأتي الاعتصام متزامنا مع الانتخابات النيابية، وهو توقيت حساس بالنسبة لكافة الأحزاب السياسية، خصوصا الوفد، الذي يتبنى الليبرالية ويعلن دفاعه عن حقوق العاملين.
وكشف المعتصمون عن تنصل الإدارة المستمر من تنفيذ تعهداتها للعاملين بصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة، وتدني متوسطات الأجور حيث تبلغ 4 آلاف جنيه، في الوقت الذي يزاد فيها اعتماد الحزب على جهازه الدعائي، في تسويق برنامجه ومرشحيه.
أهمية التوقيت وحساسيته للحزب دفعت الإدارة، لكي تستجيب لرفع الحد الأدنى للأجور، وصرف 3 آلاف جنيه زيادة لكل العاملين بغض النظر عن قيمة رواتبهم، لكي يستفيد الشباب والكبار في السن في آن واحد، وزيادة أخرى بقيمة 500 جنيه تطبق في يناير المقبل، وصرف جميع مستحقات أصحاب المعاشات خلال يناير أيضا.
ثانيا: الصحفيات يشعلن الاعتصام
برهن اعتصام الوفد على الدور الحيوي والرئيس للصحفيات، في إنجاح الاحتجاج، فقد شاركن منذ اليوم الأول، وقررن المبيت في مقر الاعتصام، مما ألهب حماس المعتصمين الذين كان اليأس قد بدأ يتسلل إلى قلوبهم.. وكن أكثر نضالية وحسما في أوقات كثيرة، ولعبن دورا مهما في التفاوض والاعلام والاعاشة.
ولعب الشباب، كذلك، دور رئيس في تماسك الاعتصام ومنحه نفس راديكالي وهو ما بدا لافتا في الهتافات، التي كانوا يبدعونها يوميا ليتحدوا بها الخوف والتهديدات، ولتلهب حماس المعتصمين، ومن بينها..” ألعب دور الأب معانا.. مش مستاهله عناد وإهانة” و”عاوزين حقوقنا”.. “وواحد اثنين.. الحد الأدنى فين”.. “يا رئيس حزب وأستاذ جامعة.. حافظ على الوفد وعلى السمعة”.. “قاعدين.. قاعدين”.
كما حاصروا سيارة رئيس مجلس الإدارة، احتجاجا على رفضه الاستجابة لمطالبهم والتسويف المستمر.
ثالثا: لجنة نقابية مكافحة
أظهر الاعتصام أهمية دور اللجنة النقابية في توحيد حركة العاملين بالمؤسسة من عمال وصحفيين وإداريين وأصحاب المعاشات، فشارك فيه حوالي 70 بالمئة من قوة العمل، مما زاد من تأثير الاعتصام وفاعليته.
ولم تتردد اللجنة النقابية في اليوم الثاني للاعتصام في الإعلان أنها ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة للتصعيد والبدء في إضراب جزئي عن العمل، يتبعه إضراب عام في مقار الوفد بالقاهرة وجميع المحافظات، مما شكل ضغطا حقيقيا على الحزب حيث يزداد اعتماده على جهازه الدعائي، في فترة الانتخابات، لتسويق برنامجه ومرشحيه
ورغم أن اللجنة النقابية بالوفد تتبع الاتحاد الحكومي، ولكنها لجنة مكافحة تضع مصالح العاملين في المقدمة، فنظمت اعتصامات ووقفات عديدة على مدار السنوات الثلاثة الماضية، كان أبرزها الوقفة التي نظمتها يوم 7 فبراير 2024 للمطالبة بإقالة أيمن محسب رئيس مجلس الإدارة، وهو ما تم الاستجابة له.
وتتميز اللجنة النقابية بالوفد أن عضوية مجلس إداراتها تمزج بين الشباب والخبرة والنساء والرجال، ويتمتع رئيسها بخبرة نضالية ومعرفية لافتة.
رابعا: وفود التضامن
توافد الى مقر الاعتصام عددا من أعضاء الجمعية العمومية من مؤسسات مختلفة دعما لزملائهم المعتصمين على مدار أيام الاعتصام الستة، بناء على دعوات من المعتصمين ومن اللجنة النقابية.
وعودة ثقافة التضامن بين الصحفيين، تعد سباحة عكس التيار السائد الذي يرفع شعار “الانا مالية”، وأنا وما بعدي الطوفان، وخطوة مهمة في اتجاه تعزيز العمل الجماعي للحصول على الحقوق.
خامسا: التنظيم الذاتي
القدرة على تنظيم اعتصام لمدة ستة أيام لا شك يقف وراءه خبرات اكتسبها العاملون بالجريدة، عبر كفاحهم الطويل، فكان الجميع يعرف دوره ويؤديه بحرفية وإتقان، أو كما تقول إحدى الصحفيات، لم نكن في حاجة الى جلسة للاتفاق على ترتيب الأدوار، فكل واحد منا يعرف دوره ونقاط تميزه، فكنا مثل الفرقة الموسيقية المتجانسة، لكن بعض الاعمال كانت تحتاج الى ترتيب مثل الإعاشة مثلا.
سادسا: مركزية دور نقابة الصحفيين
كان دور نقابة الصحفيين فارقا في الاعتصام، فتواجد البلشي وعدد من أعضاء المجلس في الاعتصام من بدايته وحتى نهايته، وشاركوا في كل جلسات التفاوض.
ويحسب للبلشي أنه أعاد، في هذه المعركة، للنقابة دورها المكافح المدافع عن أوضاع الصحفيين الاقتصادية والاجتماعية، وللنقيب صورة النقابي المكافح وسط صفوف زملائه، باعتباره واحد منهم، وليس من أرباب المال والأعمال والسلطة.
وشهد الاعتصام كذلك حضور منتظم لعضوي المجلس إيمان عوف ومحمود كامل إلى جانب توافد كل أعضاء المجلس تقريبا لمساندة المعتصمين.
وساعد النقابة في ممارسة دورها وتأثيرها، وجود حركة قوية وسط العاملين بأجر بالوفد، فبدون تحرك أصحاب المصلحة، يضعف دور النقابة أو يتلاشى.
والمؤكد كذلك أن وجود لجان نقابية فاعلة لكل العاملين بالمؤسسات، يلعب دور مهم في تنظيم حركة العاملين بأجر، ويقوي من موقف النقابة.
مكاسب الاعتصام
ولعل المكسب الأول للاعتصام، هو استعادة العاملين بالجريدة لثقتهم في أنفسهم وفي جدوى احتجاجاتهم، وفي أهمية مواصلة النضال من أجل انتزاع بقية مستحقاتهم وعلى رأسها زيادة المرتبات وفقا لسنوات الخدمة.
والمتوقع أن تتدحرج كرة الثلج وتكبر، فهذا الانتصار قد يعتبروه كثيرون من العاملين بأجر بمثابة ضوء أخضر للتحرك للدفاع عن حقهم المشروع في حياة كريمة، ورواتب عادلة تليق بدورهم في خدمة المجتمع، خصوصا أن الدولة قررت زيادة الحد الأدنى للأجور في مارس الماضي، دون أن تراقب عملية تنفيذه في المؤسسات ليتحول في الغالب الى حبر على ورق..
واللافت أن نقابة الصحفيين التقطت على الفور طرف الخيط، وبادر البلشي بمطالبة المؤسسات الصحفية بضرورة مراعاة تسوية الدرجات المالية للزملاء الصحفيين، بما يتناسب مع سنوات خبراتهم وفترات عمل كل منهم، والالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور وفقًا لقانون العمل الجديد، الذي بدأ حيز التنفيذ بدايةً من أول سبتمبر الماضي.
ولفت نقيب الصحفيين إلى الأعباء المعيشية المتزايدة التي يواجهها الصحفيون، داعيًا المؤسسات إلى “دراسة إمكانية إقرار حزمة زيادات إضافية في الرواتب”؛ للمساعدة في تمكين الزملاء من مواجهة ارتفاع معدلات التضخم.
باختصار: معركة الوفد قد تكون القاطرة، التي تجر الصحفيين ونقابتهم، إلى خوض معركة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهي معركة طال انتظارها، بعد أن باتت أوضاع الصحفيين.. “تسر عدو ولا تسر حبيب”.