منذ عام 2021، بدأت ملامح مشهد إقليمي جديد تتبلور في الشرق الأوسط، مع تصاعد ما يعرف بـ “محور الممانعة”، وهو التحالف غير الرسمي الذي يضم إيران وحلفاءها في لبنان وسوريا وغزة والعراق واليمن في مواجهة إسرائيل.
هذا التمدد جعل تل أبيب للمرة الأولى في تاريخها الحديث محاطة بجبهات عسكرية متعددة أشبه بالأخطبوط، تمتد من الشمال اللبناني إلى الجنوب الغزي، مرورًا بالجبهة السورية والتهديدات المقبلة من العمق اليمني والعراقي.
وقد تحولت هذه الجبهات المتقاربة إلى حالة ضغط إستراتيجي متصاعد على المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، خاصة بعد معارك سيف القدس في 2021 وطوفان الأقصى في أكتوبر 2023، التي كشفت عن هشاشة منظومة الردع الإسرائيلية في مواجهة تنسيق متنام بين فصائل المقاومة وداعميها الإقليميين.
ويرى محللون أن هذا التكاتف، رغم تباين أطرافه، أعاد رسم توازنات الصراع في المنطقة، ودفع القوى الإقليمية وفي مقدمتها مصر والسعودية إلى إعادة تقييم مواقفها السياسية، في وقت تزداد فيه المؤشرات على أن المنطقة تتجه نحو مرحلة جديدة من الردع المتبادل بين إسرائيل ومحور الممانعة.
وأكد الدكتور يسري عبيد، الباحث في العلاقات الدولية، أن تعدد الجبهات المحيطة بإسرائيل منذ عام 2021 شكل تحولا جوهريا في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، بعدما أصبحت تل أبيب تواجه تهديدات متزامنة من أكثر من محور في وقت واحد.
وأوضح أن إيران لعبت الدور الأبرز في بناء هذا الطوق عبر دعمها العسكري والسياسي لأطراف “محور الممانعة”، ما أدى إلى إرباك المنظومة الأمنية الإسرائيلية وتشتت قدراتها بين جبهات الشمال والجنوب، رغم نجاحها في توجيه ضربات واغتيالات محدودة لقيادات من حزب الله وفصائل أخرى، إلا أن تلك الضربات لم تنجح في إضعاف الجبهة بالكامل.
وأشار عبيد إلى أنه لم يعد هناك تنسيق ميداني فعلي بين أطراف المحور كما كان عقب عملية السابع من أكتوبر 2023، موضحا أن التنسيق الكبير الذي شهدته تلك الفترة بين حزب الله وحماس تراجع بعد اغتيال حسن نصر الله وتأثر كذلك بانهيار النظام السوري وتراجع دور الميليشيات العراقية، وهو ما أضعف فاعلية المحور وسهل على إسرائيل استهداف قياداته بشكل متزامن خلال الأشهر الماضية.
وفيما يتعلق بمبدأ الردع الإسرائيلي، يرى عبيد أن حرب غزة 2023 كشفت عن انهيار جوهري في منظومة الردع التي لطالما افتخرت بها إسرائيل، بعد أن نجحت إيران في استهداف العمق الإسرائيلي بالصواريخ والطائرات المسيرة، وامتدت الهجمات لتشمل ضربات من الحوثيين استهدفت مطار بن غوريون ومدينة إيلات، ما شكل ضربة رمزية ونفسية قاسية لجيش الاحتلال الذي طالما وصف نفسه بأنه “الجيش الذي لا يقهر”.
وأضاف الباحث أن هذا التكاتف الإقليمي انعكس كذلك على مواقف القوى العربية الكبرى مثل مصر والسعودية والإمارات، مشيرا إلى أن الموقف العربي شهد اصطفافا أوضح ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما بعد مؤتمر حل الدولتين، الذي أعاد حضور القضية الفلسطينية إلى الأجندة الدولية وأسهم في إقناع عدد من الدول بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.
واختتم عبيد حديثه بالتأكيد على أن المنطقة ما زالت تعيش حالة ردع متبادل بين إسرائيل ومحور الممانعة، لكنه حذر من أن أي توسع في المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل خلال الفترة المقبلة قد يفتح الباب أمام مواجهة إقليمية أوسع وأشد خطورة.