هكذا تفتح المقبرة
في إحدى قرى محافظة قنا “جنوبي مصر” يحكي لنا شاب ثلاثيني، حالم بالرغد والثراء السريع، قصته عن التنقيب عن الآثار، يقول “م. ج. ع”: أحضرت عائلته أحد الشيوخ ليستكشف المنزل لهم، وعندما وصل إلى البيت بدأ يتمتم بكلمات غير واضحة وبعض الحركات الغريبة، ثم بشّر أصحاب المنزل قائلاً: “هذا البيت كله خير”.
كيلو ذهب
لم تتمالك الأسرة نفسها من السعادة ورحبت ترحيبًا بالغًا بهذا الشيخ، حتى قال لهم هذا الدجال: “لكن هذا الخير لكي يخرج يحتاج إلى كيلو من الذهب أقوم بالقراءة عليه”.
يواصل “م. ج”: على الفور رحبت العائلة بالفكرة وبدأت بتجميع الذهب من كل نساء البيت حتى اكتمل كيلو الذهب المطلوب، ثم شرع الشيخ في قراءة التعويذات داخل إحدى غرف المنزل التي يزعم أن أسفلها الكنز.
وفجأة تتحول الغرفة إلى سبائك ذهبية وتماثيل ومصوغات متعددة لا حصر لها، ويضج المنزل بالسعادة والفرحة، ثم يقول لهم هذا الدجال: “مبارك عليكم كل ما في الغرفة، أما أنا سأكتفي بكيلو الذهب الذي قرأتُ عليه كحق لي”.
تعدد المتورطين والدافع واحد
يسلط “القصة” الضوء على بعض قصص النصب والضحايا وحكايات هوس التنقيب عن الآثار، التي تتزايد بطرق بشعة وأدوات متعددة، وقصص وكأنها من الخيال، وأموال طائلة تهدر في سبيل تحقيق حلم الثراء السريع، بداية من دفع عشرات الآلاف لشراء البخور باهظ الثمن، والزئبق الأحمر، والطقش المغربي، وصولاً إلى أجهزة الأقمار الصناعية والـ GBC والأجهزة الطبقية التي تخترق طبقات الأرض.
ولم ينتهِ الأمر عند ذلك، بل تقدَّم القرابين البشرية من أطفال أبرياء ونساء جميلات، ومئات الضحايا الأبرياء، بدأت قصتهم على أيدي الدجالين وانتهت بدماء وكواليس مرعبة.
الصدمة.. حجرة فارغة بدون كنز
يواصل “م. ج”: لم تتمالك الأسرة نفسها من السعادة ورحبت ترحيبًا بالغًا بهذا الشيخ، حتى قال لهم هذا الدجال: “لكن هذا الخير لكي يخرج يحتاج إلى كيلو من الذهب أقوم بالقراءة عليه، ولكن لا تدخلوا هذه الغرفة إلا بعد رحيلي من هنا بخمس ساعات”.
يضيف “م. ج. ع”: أنهم قاموا بشراء الهدايا له وتوصيله إلى محطة القطار بكل حب، وعادوا إلى منزلهم وانتظروا مرور الخمس ساعات وسط ترقب وانتظار الكنز. وبالأخير قاموا بفتح الغرفة وكانت الصدمة الكبرى: الغرفة فارغة، لا يوجد بها أي ذهب.
يشرح لـ “القصة”: حاولوا الاتصال به مرارًا وتكرارًا فلم يرد عليهم، وأغلق هاتفه، وأخذ كيلو الذهب بعدما سحر أعينهم وذهب. وضج المنزل مرة أخرى ولكن بالصراخ والبكاء والعويل والحيرة والندم على الأموال وكيلو الذهب الذي قاموا بتجميعه من أفراد الأسرة، وأصبح دينًا ثقيلاً في رقبة أبيه، بينما اختفى الدجال وتبخر حلم الثراء السريع الذي راود العائلة معه.
خرافات الدم والجنس
وفي روايات أخرى، جلب المال لعنة تستطيع أن تهزم أصحاب النفوس الضعيفة، الذين ينفذون طلبات دجالين يرتدون ثوب رجال الدين ويلقبون أنفسهم “بالمشايخ”. طلبات لا تقتصر على الابتزاز المادي فحسب، فمنهم من يزعم أن فك الرصد الخاص بالمقبرة مرتبط بدماء الأطفال، ومنهم من يقول إنه مرتبط بممارسة الجنس في مكان الحفر، ومنهم من يطلب كمًّا من الذهب والمال لقراءة التعويذ عليه لفتح المقبرة، ومنهم من يطلب دماء أحد أفراد الأسرة، فيقتل الأب ابنه، والشقيق شقيقته، والعم ابنة أخيه، لتقديمهم قربانًا إلى حارس المقبرة وإبطال لعنة الفراعنة، لتفتح لهم المقبرة خزائنها، لكنها تفتح عليهم أبواب الجحيم.
بخور بعشرات الآلاف
وفي إحدى القرى التابعة لمحافظة المنيا يسرد “محمد ج” لـ “القصة” واحدة من حوادث النصب والضحايا وحكاية لعنة الفراعنة التي وقعت في منزله. يقول محمد إنه استعان بأحد المشايخ المعروفين من محافظة الشرقية، الذي ذاع صيته في كثير من القرى المجاورة في استخراج الكنوز الفرعونية.
يروي محمد أن الشيخ دخل المنزل واستكشفه، وأشار إلى صالة البيت وقال: “هنا الخير، هنا الخير، هنا”، بصوت مرتفع، ثم طلب منهم عدة مطالب، منها البخور المغربي والزئبق الأحمر، وقال لهم إنها مطاليب لفك الرصد الذي يحمي الكنز.
وبالفعل أحضرت العائلة المتطلبات باهظة الثمن وهم يحلمون بالكنز الذي سيعوضهم عن كل ما تم صرفه. وبدأ الشيخ بقراءة التعويذات غير المفهومة وإطلاق البخور، وقاموا هم بالحفر العميق جدًا.
تصدع المنزل وسر لعنة الفراعنة
يروي محمد قائلاً: “فجأة قُطعت الكهرباء عن المنزل، وبدأت حوائط البيت تتصدع وكأن الأرض تهتز أسفل المنزل. وفجأة يصرخ الشيخ وعلى وجهه الضيق والضجر، ويخبرهم أنهم أزعجوا الرصد أثناء الحفر بقوة، وأن تصدع هذه الحوائط من لعنة حراس المقبرة، ويأمرهم بالردم السريع ويفر هاربًا بعد حصوله على 50 ألف جنيه منهم”.
حكاية محمد وغيرها من الحكايات تثير الجدل حول لعنة الفراعنة التي يتحدث عنها الدجالون وتنتشر بين العامة في المجتمع.
خبراء حول لعنة الفراعنة
صرّح الدكتور عبدالحميد عبدالسلام، الخبير الأثري ونائب وكيل متحف عواصم مصر: “السحر موجود في الحضارة الفرعونية وذُكر في القرآن الكريم، فهو حقيقة لا نقاش فيها، ولكن ما يثير الجدل في هذه النقطة دائمًا وأبدًا، ويتردد على الأذهان، هو سؤال: هل هناك ما يسمى بلعنة الفراعنة؟”
ويجيب عبدالسلام: “كل علماء الآثار وأساتذته وخبراء الآثار ينفون قطعًا وجود ما يسمى بلعنة الفراعنة، التي تظهر عند التنقيب عن الآثار. والدليل على ذلك أننا لم نسمع يومًا عن عالم أو أثري أصيب وهو ينقب ويبحث عن الآثار بما يسمى لعنة الفراعنة. أما ما يُحكى من قصص وإصابات وحوادث قد تصل لحد الموت أثناء التنقيب غير الرسمي أو ما يسمى (الحفر خلسة)، فهذا يرجع إلى جهل هؤلاء وطريقتهم الخاطئة في التنقيب، والتي تقوم على أساليب غير علمية وغير مدروسة”.
ويشرح “عبدالسلام”: “فعلى سبيل المثال قد يجد أحد المنقبين عن الآثار مقبرة فرعونية بالفعل نتيجة الحفر، وعند الوصول إلى باب المقبرة يقوم بفتحه بشكل مباشر، ولأن هذه المقابر مغلقة منذ آلاف السنين، يخرج منها غاز الميثان السام، وعند استنشاقه قد تحدث بعض حالات الإغماء أو توقف عملية التنفس التي تؤدي إلى شلل بعض وظائف الجسم.
ويضيف أن تطاير بعض الفطريات من داخل المقبرة قد يؤدي إلى العمى، ويؤكد على ذلك علم الطب الشرعي بأن أغلب الحالات والإصابات الناتجة عن (الحفر خلسة) تعود إلى أسباب علمية بحتة، ولا علاقة لها بما يسمى لعنة الفراعنة”.
ويوضح عبدالسلام أن قصة لعنة الفراعنة ما هي إلا أسطورة ابتدَعها الدجالون والمشعوذون لكي يحققوا من خلالها أغراضهم المادية.