الأحزاب السياسية لها دور فعّال في الحياة السياسية والتحول الديمقراطي، والوسيط بين الشعب والسلطة، وتشكل مع جماعات الضغط تأثيرا قويا في حياة المواطنين اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وتسعى الأحزاب بطبيعة الحال للوصول إلى السلطة، وتكوين ظهير شعبي حقيقي مؤمن بأفكارها وإيدولوجيتها.
وتختلف الأحزاب فيما بينها باختلاف إيدولوجيتها السياسية وتوجهاتها، والمفترض أن ينخرط المواطنون في الانضمام لتلك الأحزاب، كل حسب توجهاته، ونجاحها في إقناع المواطنين بالإيمان بأفكارها، لتكوين قاعدة جماهيرية يعولون عليها عند الاستحقاقات الانتخابية.
ونشاهد في دول العالم المتقدم، التنافس في أي استحقاق انتخابي هو بين الأحزاب وأفكارها وبرامجها، ففي بريطانيا يكون التنافس بين حزب المحافظين والعمال ويتبادلان رئاسة الحكومة طبقا لرغبة الناخبين في التصويت لهم في انتخابات مجلس العموم، وكذلك في الولايات المتحدة الامريكية الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، وفي عدة دول أخرى يكون التنافس بين أكثر من حزب سياسي وعليه يتم تشكيل حكومة ائتلافية، وتكون تلك الحكومة في أحيان كثيرة غير متوافقة في التوجهات فيحدث اضطراب في القرارات لأنهم ليسوا متشابهين في الأفكار والتطلعات والبرامج.
في مصر لا يشكل حزب الأغلبية الحكومة، والمادة 146 من باب نظام الحكم توضح كيفية تشكيل الحكومة، وباختصار فإن رئيس الجمهورية يعين رئيس مجلس الوزراء وإن لم يحصل الثقة من البرلمان، يرشح حزب الأغلبية البرلمانية رئيسا للوزراء، وإن لم يلقَ الثقة يعد المجلس منحلا..إلخ.
ومنذ أسابيع قليلة تم انتخاب مجلس الشيوخ، ولاحظنا عزوف المصريين في التوجه لصناديق الاقتراع، قد يكون بسبب أنهم يرون أن المجلس ليس له تأثير كبير، أو بسبب حالة من الإحباط جراء الأوضاع الاقتصادية.
واليوم تم إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات عن خريطة انتخابات مجلس النواب المقبل، وتكون انتخابات مجلس النواب أكثر زخما وضجيجا، وذلك لطبيعة المجلس الذي من المفترض أن يعبر عن آمال وأحلام وتطلعات الشعب المصري، كما يعبر عن همومه وما يكابده من معاناة في حياته اليومية.
ونظرا لعدم وجود محليات منذ سنوات تحول عضو مجلس النواب إلى نائب خدمات، وابتعد عن دوره المنوط به في أن يراقب أداء الحكومة وأداء دوره التشريعي والرقابي.
فمهمة نائب الشعب من أشرف التكليفات التي يقدمها الناخبون لمَن يعبر عنهم ويكون صوتهم الحقيقي والمدافع عن مصالحهم، والنائب هو من يمثل السلطة التشريعية، وينظم طريقة عمل وأداء واختصاصات السلطة التنفيذية والقضائية.
فهل يعي السادة النواب الفخر والشرف لأدوارهم تحت القبة؟
ما زالت الأحزاب في مصر عاجزة عن تشكيل قاعدة جماهيرية حقيقية مؤمنة بأفكارها وبرامجها السياسية، ويلعب المال السياسي دورا كبيرا في حالة استقطاب الناخبين، واعتبر ذلك قاعدة وهمية غير قادرة على إحداث فارق في العملية السياسية، لأن تلك القاعدة الجماهيرية الوهمية ينتهي أدوارها بنهاية وضع صوتها في صندوق الاقتراع، وغير قادرة على محاسبة الحزب أو المرشح الذي اختارته ليعبر عنها.
كذلك حالة التضيق على كثير من الأحزاب في نشر برامجها، فتحولت إلى دكاكين تحمل لافتات دون أي أثر.
كما استسلمت بعض الأحزاب لعزلتها بعد أن تم إشهارها وولادتها بأنها شرعية طبقا للقانون، ولم تقدم شيئا غير أنها صنعت الوجاهة لمالكيها وتحولت إلى أحزاب عائلية.
وأحزاب ولدت بعد ثورة يناير جاهدت لإبراز دورها والمشاركة في كل ما يخص الشأن المصري والإقليمي، ووعت دورها وأهميته، واقترحت سياسات بديلة وأعلنت عن برنامجها ومواقفها من كل القضايا دون استثناء، ودعمت الدولة المصرية وساندتها في كل ما يحاك ضدها، ووقفت حائط صد منيع لحماية الأمن القومي، واعتبرت نفسها أحزاب إصلاحية تمثل المعارضة الوطنية.
ولتعزيز الديمقراطية يجب أن تحظى تلك الأحزاب بمساحات معقولة لتعبر عن أفكارها، وقد ظهرت في الحوار الوطني وقدمت رؤيتها في كل الملفات دون استثناء، ونظرا لطبيعة النظام الانتخابي الذي يعتمد على القائمة المطلقة والنظام الفردي، لم تحظَ بكثير من المقاعد، وكانت تنادي بضرورة إقرار نظام القوائم النسبية لخلق التعددية السياسية، وأن هذا النظام سيحقق النسب الدستورية التي أقرها الدستور.
ويبقى السؤال المهم هل يذهب الناخبون إلى صناديق الاقتراع ويتم تصويتهم طبقا لبرامج تلك الأحزاب وإيدولوجيتها؟
ستكون الإجابة: طبعا لا، لذا يجب الاعتراف بأن جميع الأحزاب بما فيها أحزاب الأغلبية البرلمانية لا يتم انتخابها على أساس البرامج والتوجهات السياسية.
إنما المال السياسي له دور كبير، العصبيات والعائلات لها دور آخر، الخدمات التي يقدمها النواب لأهل دوائرهم في ظل غياب المحليات، ويختار الناخب نائبه طبقا لتلك الخدمات، وقد يكون لم يسمع به قط يعترض على قانون ما داخل البرلمان، أو أنه تقدم بطلب إحاطة أو استجواب، أو استخدم أدواته البرلمانية لمحاسبة الحكومة ومراقبة أدائها.
لذلك يغازل النائب أو المرشح ناخبيه ويذكرهم بما قدمه في الدورة السابقة، وقد يكون الكرسي إرثا عائليا لا ينبغي أن يخرج عن عائلة المرشح.
أرجو من الناخبين أن يحسنوا اختيار مرشحيهم، وأن يبحثوا عن حقيقة كل مرشح: مدخلاته – وتوجهاته – وخلفياته السياسية والحزبية، وأن يدركوا أن صوتهم حق دستوري، وألا يتقاعسوا عن أداء دورهم، ويجب عليهم الذهاب إلى صناديق الاقتراع واختيار من يرونه يخدم ويدافع عن مصالحهم ويعبر عن صوتهم.
وعلى الأحزاب السياسية ان تعيد بناء الثقة بين المواطن والأحزاب السياسية، وأن تسعى إلى كسب ثقة المواطنين تأييدا لمواقفها وبرامجها، وأن يكون هناك ولاء وانتماء حزبي حقيقي، وتنافس مشروع بينهم، لخلق تعددية سياسية حقيقة تثري العملية الديمقراطية، فاختلاف الآراء لا يفسد للود قضية، ولا تبنى الديمقراطية إلا من خلال التعددية السياسية الحقيقية، وقيام حياة حزبية حيوية نشيطة، وأتمنى أن أرى اليوم الذي يذهب فيه الناخبون لاختيار الحزب السياسي طبقا لقناعاتهم وإيمانهم ببرنامج الحزب.
فالمرشح الحزبي يعلم جيدا أن وراءه حزبا سياسيا يحمل برنامجه وأفكاره ويساعده في أداء مهامه تحت قبة البرلمان، إضافة إلى هياكل الحزب التنظيمية بأكملها الفنية والنوعية والسياسية.