كان ولا زال الأدب هو المرآة التي تعكس ظاهر الشعوب وباطنها، ويعد بشكل ما أو بآخر تأريخًا من نوع خاص لحياة الناس، وما يختلج صدورهم من مشاعر وآمال ظلت حبيسة صدورهم حتى رحيلهم عن هذه الدنيا، وهناك واحد من رموزنا الثقافية والأدبية، حمل على عاتقه هذه المهمة، أن يكون أدبه انعكاسا لحياة الناس ومتنفسًا لـ آلامهم وهمومهم.
هو حس البسطاء وصوتهم في ظل تلاطم الأمواج، واشتداد رياح، وصعوبة الحياة، ناصر المهمشين وآزرهم، وكتب عنهم في رواياته ومجموعاته القصصية، ويعد واحد من حراس تراثنا الثقافي، ومن سدنة الهوية المصرية والإرث الشعبي، إنه شيخ الحكائين الأديب المصري الراحل خيري شلبي.
النشأة والشغف
قبل ميلاده في الـ 31 من يناير عام 1938 كان والده يعمل موظفا بهيئة الفنارات في الإسكندرية، انتقل بأسرته إلى قرية شباس عمير بمركز قلين في محافظة كفر الشيخ، وهناك عاش شلبي داخل بيت بسيط البناء ومتواضع الأثاث، غير أنه كان ملهمه الأول.
ظهر شغفه بالقراءة وحبه لها مذ كان صغيرا، وأجاد قواعد النحو والصرف خلال هذه المرحلة العمرية المبكرة، إضافة إلى قراءته السليمة الخالية من الأخطاء اللغوية، ورغم ما سبق؛ فلم يكمل تعليمه في معهد المعلمين بدمنهور ورفض دخول امتحانات نهاية العام لسنة الثالثة، وذلك تمردا على نظام التعليم السائد وإحساسه أنه غير راضٍ عنه، وفق تصريحات إذاعية سابقة له، وذلك أدى إلى طرده من المنزل، ظل منقطعا عن أهله مدة 10 سنوات لا يعرف عنه أحد شيئا، حتى انتشر في قريته خبر أن الدكتور طه حسين وافق على تقديم سيرته الأيام عبر أثير الإذاعة وقد أعدها للإذاعة خيري شلبي.
طه حسين يشيد بـ خيري شلبي
عمل خيري شلبي مُعدا في البرنامج الإذاعي الثقافي الثاني، إذ يعد صاحب فكرة تقديم رائعة الدكتور طه حسين الأيام عبر أثير هذه المحطة، التي كان يقدم برنامجها الأديب الراحل بهاء طاهر، وقد أشاد عميد الأدب العربي بهذه التجربة، معربا عن تقديره لخيري شلبي وكاشفا عن أسباب قبوله طلبه إذ كان يشعر برداءة المحتوى الذي كانت تقدمه الإذاعة حتى جاء خيري شلبي، الذي وصفه بـ «الأخ الأديب» وأقنعه بذلك.
دور خيري شلبي في التنقيب عن التراث المسرحي
لـ خيري شلبي جهود كبيرة في التنقيب عن التراث الثقافي المصري، خاصة في مجال المسرح إذ كشف عن عدة مسرحيات تم نسيانها مع الزمن، وبعضها تم عرضه على خشبة المسرح، لكنه لم يدون في أرشيف الفرقة المسرحية، ومن أبرز اكتشافاته: المسرحية الوحيدة للزعيم الوطني الكبير مصطفى كامل التي تحمل اسم «فتح الأندلس»، ورغم غزارة منتجه الروائي والقصصي والنقدي والصحفي، فإنه لم يكتب غير مسرحيتين، هما: المخربشين وصياد اللولي، مع ذلك لم يكن الراحل خيري شلبي في معزل عن المسرح، إذ أعد أكثر من مسرحية مأخوذة عن أعمال روائية، أبرزها مسرحية عودة الروح عن رواية توفيق الحكيم التي تحمل نفس الاسم.
المقهى كان عالمه
في إحدى فترات حياته قرر أن يترك وسط القاهرة حيث يجتمع المثقفون والأدباء، وقرر أن يعيش وسط المقابر، حيث اختار العزلة، وكان يجلس على أحد المقاهي، وقد سميت الطاولة التي كان يجلس عليها داخل المقهى بالمكتب، إذ عرف موضعه جلوسه هناك بـ مكتب خيري شلبي.
رائد الواقعية السحرية في مصر
يعد رائدا لنوع أدبي ظل مجهولا عن الساحة الثقافية وهو الواقعية السحرية، التي تتمثل الواقع كما هو ثم تجنح إلى شيء من الخيال أو الفانتازيا، كما في روايتيه: وكالة عطية ورحلات الطرشجي الحلوجي، ومن الآداب العالمية التي اشتهرت بتبني هذا اللون الأدبي: رواية مئة عام من العزلة الأديب الكولومبي الراحل جابريال جارثيا ماركيز الحائز على نوبل عام 1982، والمجموعة القصصية ألف للأديب الأرجنتيني الراحل خورخي لويس بورخيس.
أعمال خيري شلبي في السينما والتليفزيون
عرفت أعماله الأدبية الطريق إلى شاشات السينما والتلفاز، وبرز مسلسل الوتد المأخوذ عن روايته التي تحمل نفس الاسم، كواحد من أشهر الأعمال التليفزيونية خلال حقبة التسعينيات، خاصة شخصية الحاجة فاطمة تعلبة، التي لعبت دورها الفنانة الكبيرة الراحلة هدى سلطان، ومن أبرز الأفلام المأخوذة عن رواياته وقصصه: فيلم الشاطر، فيلم سارق الفرح، كما تم تحويل وكالة عطية إلى مسلسل يحمل نفس الاسم وتم عرضه في رمضان عام 2009، وكذلك تم تحويل ثلاثيته الآمالي إلى مسلسل تليفزيوني حمل اسم الكومي.
حصد خيري شلبي عدة تكريمات خلال مشواره الإبداعي الذي تجاوز النصف قرن، جاء أبرز هذه التكريمات كالآتي: جائزة الدولة التقديرية في الآداب 2005 – جائزة نجيب محفوظ عن روايته وكالة عطية 2003 – وسام العلوم والفنون 1980 – جائزة الدولة التشجيعية 1980.
ومن أعماله الروائية: وكالة عطية، السنيورة، نسف الأدمغة، زهرة الخشخاش، الوتد، رحلات الطرشجي الحلوجي، موال البيات والنوم.
ومن مجموعاته القصصية: صاحب السعادة، اللص، المنحنى الخطر، سارق الفرح، أسباب للكي بالنار، الدساس، أشياء تخصنا، قداس الشيخ رضوان.
رحيل خيري شلبي
رحل خيري شلبي صباح يوم الجمعة الموافق الـ 9 من سبتمبر عام 2011، إذ توفي في منزله بالمعادي إثر أزمة قلبية عن عمر 73 عاما، بعد مسيرة أدبية حافلة بالإبداعات على المستوى الأدبي والصحفي والإذاعي، وتم تشييع جثمانه من مسقط رأسه بقرية شباس عمير بمحافظة كفر الشيخ إلى مثواه الأخير.
جائزة خيري شلبي الأدبية
في عام 2020، أعلنت الفنانة الراحلة إيمان خيري شلبي، إطلاق جائزة خيري شلبي للعمل الروائي الأول، وذلك تخليدا لذكرى الأديب الراحل، وفي دورتها الثانية تعاونت دار الشروق مع لجنة أمناء الجائزة منذ عام 2021 حتى الآن.