سرقة أسورة أثرية نادرة أثارت ضجة إعلامية واسعة، لكن القصة لم تُقنع أحدًا؛ فهي مجرد فصل آخر في مسلسل طويل من النهب المستمر للآثار المصرية.
الأسورة قطعة صغيرة في حجمها لكنها عظيمة في رمزيتها؛ أصبحت حديث الصحف والتلفزيون، بينما المأساة الحقيقية تكمن في أن توابيت كاملة بمومياواتها وجدران معابد بأكملها خرجت من أرض مصر بلا أي رد فعل جاد، بلا صرخة تحفظ كرامة ملوك حضارة امتدت آلاف السنين.
الملك فاروق كان وطنيًا وحافظ على كنوز مصر باعتبارها ميراث أمة، لكنه رحل وترك خلفه فراغًا استغله الجشع والإهمال. بعد يوليو، بعد الثورة، أصبح نهب التراث أكثر انتشارًا وانتظامًا.
لم يقتصر الأمر على السرقة والإهمال، بل شمل منح بعض الرؤساء مثل عبد الناصر والسادات قطعًا أثرية كهدايا لدول أخرى في إطار الدبلوماسية؛ ورغم أن الهدف كان سياسيًا، إلا أن كل قطعة تمثل هوية وحضارة لمصر.
الأسورة ليست مجرد قطعة ثمينة، بل رمزًا لما تبقى من تاريخ مصر الذي يتبخر أمام أعيننا، ما يُسرق اليوم ليس حجرًا أو ذهبًا، بل روح الأمة وهويتها.
كل سرقة تعني فقدان جذور الأجيال القادمة وجعلها بلا سردية تاريخية تحفظ كرامتها أمام العالم، الجنازات الإعلامية المزيفة لا تكفي، بل تزيد من الشعور بالعجز والخذلان.
مصر بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية تجعل حماية الآثار قضية أمن قومي لا تقل أهمية عن حماية الحدود، الرقابة الدقيقة، وتطبيق القوانين الرادعة، ومحاسبة كل مسؤول يتقاعس أو يتواطأ هي خطوات حتمية.
فإن استمر التعامل مع آثارنا كسلع يمكن سرقتها وبيعها بلا حساب، ستظل مصر تقيم جنازة جديدة لكل قطعة تُسرق حتى تختفي حضارتها نهائيًا.