أخبار هامة

رئيس مجلس الإدارة

محمود فؤاد

مدير التحرير

نور الدين نادر

الحكاية من أولها

رئيس التحرير

عمرو بدر

الحكاية من أولها

رئيس مجلس الإدارة

محمود فؤاد

مدير التحرير

نور الدين نادر

رئيس التحرير

عمرو بدر

أيها الكاتب الكبير: لن ننسى

في تمام التاسعة وخمس وعشرين دقيقة صباحا من يوم الثامن من إبريل عام 1970، دوت السماء فوق قرية بحر البقر الهادئة التابعة لمركز الحسينية بمحافظة الشرقية، حيث حلّقت طائرات فانتوم إسرائيلية على ارتفاعٍ منخفض، ثم ألقت خمس قنابل وصاروخين على مدرسة بحر البقر الابتدائية، إذ كان نحو 150 تلميذا يرددون النشيد الوطني في طابور الصباح.

في لحظاتٍ معدودة تحولت المدرسة إلى ركام، وتحولت حقائب الأطفال إلى شواهد قبورٍ صغيرة. اختلطت دماؤهم بكتبهم وكراساتهم، وتحولت أجسادهم الغضة إلى أشلاء متناثرة في واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد.

وكعادته، خرج العدو بتبرير بارد وفج، زاعما أن المدرسة كانت منشأة عسكرية مصرية متنكرة في هيئة مدرسة، بينما كانت الحقيقة أكثر سطوعاً من شمس إبريل نفسها، كانت تلك المجزرة رسالة رعب متعمدة تهدف لكسر إرادة المصريين وإجبارهم على وقف حرب الاستنزاف.

أخبار ذات صلة

IMG-20251010-WA0045
أولى مفاجآت الانتخابات.. محمود بدر يدرس الترشح مستقلًا على المقعد الفردي في شبين القناطر
19_2025-638927151280400421-40
موعد مباراة منتخب مصر أمام غينيا بيساو في تصفيات كأس العالم 2026
Screenshot_20251010_123602
الجارديان: النرويج في حالة تأهب لردة فعل ترامب بعد عدم منحه نوبل

استشهد ثلاثون طفلا، وأصيب خمسون آخرون، بعضهم فقد أطرافه، وبعضهم شوهت ملامحه إلى الأبد، لكن مصر لم تنحن رغم الألم والدموع.

في الوجدان المصري، هناك جرائم لا تمحوها السنوات، ولا تسقط بالتقادم، لأنها محفورة في ذاكرة الدم والكرامة، ولم تكن مذبحة بحر البقر سوى واحدة من سلسلة طويلة من الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين العزل، في محاولة لكسر إرادة المصريين وثنيهم عن المقاومة.

ففي فبراير عام 1970، شن العدو غارة غادرة على مصنع أبو زعبل، استشهد فيها 70 عاملا، وأُصيب 69 آخرون، في مشهد مأساوي اختلط فيه العرق بالدم، وتحول المصنع الوطني إلى رماد.

وقبل مذبحة “أبو زعبل” وتحديدًا عام 1968، قصف الاحتلال كوبري قنا وقناطر نجع حمادي ومحطة الكهرباء هناك، ليسقط العشرات من المدنيين شهداء تحت القنابل الإسرائيلية التي استهدفت عمق البلاد دون تمييز.

وكما يروي المشير محمد عبد الغني الجمسي في مذكراته، أن إسرائيل سعت من هذه الغارات إلى الضغط النفسي المباشر على الشعب المصري، وإلى إظهار القيادة السياسية في موقف الضعف، ودفعها قسرا نحو إيقاف حرب الاستنزاف.

لكن ما لم تدركه إسرائيل أن تلك الدماء لم تُضعف المصريين، بل أوقدت فيهم نار الصمود، وجعلت من كل مذبحة عهداً جديدًا بالثأر والنصر.

والدم بيننا وبين إسرائيل ليس دم المدنيين العزل وحدهم، بل دم أبناء الجيش المصري أيضا، أولئك الذين قاتلوا واستشهدوا دفاعا عن الأرض والعرض.

فالجيش المصري لم يأتِ من فراغ، ولم يُخلق من حجر أو حديد، بل هو من نسل هذا الشعب ولحمه ودمه.

ورغم غياب إحصاء دقيق لعدد شهداء القوات المسلحة المصرية الذين ارتقوا منذ حرب فلسطين عام 1948 مرورا بـ العدوان الثلاثي عام 1956، ثم نكسة يونيو 1967 وما تلاها من حرب الاستنزاف (1967–1970) وصولًا إلى نصر أكتوبر المجيد عام 1973، فإن التقديرات تشير إلى أن العدد الإجمالي للشهداء يتراوح بين ثلاثين إلى خمسة وأربعين ألف شهيد.

أرقامٌ لا تُختزل في إحصاء، بل هي سيرة أمة قدمت أبناءها قرابين للحرية والسيادة والكرامة الوطنية، وسطور من الدم كتبت بها مصر أثمن فصول مجدها الحديث.

ورغم كل هذه الدماء، ورغم مرور ثمانية وأربعين عاما على معاهدة السلام التي وقعتها الحكومة المصرية مع إسرائيل، لم ينسَ المصريون، ولن ينسوا.

فالنسيان ليس من طبع أمة كُتب تاريخها بالحروف الحمراء، وليس من شيم شعب عرف أن الكرامة لا تُشترى، وأن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع انتزاعا من بين أنياب الموت.

يخرج علينا الكاتب الكبير إبراهيم عيسى ليطالبنا أن ننسى بحر البقر كما نسينا حادث دنشواي ومجزرة جيش الاحتلال الانجليزي بحق الشرطة المصرية في 25 يناير1952.

يطالبنا الكاتب الكبير أن نمحو من ذاكرتنا كل هذا الوجع، أن نتصالح مع القاتل قبل أن ندفن شهداءنا.

يطلب منا “الكاتب الكبير” أن نتقبل المذابح، أن نُخمد في صدورنا نيران الغضب، وأن نغلق كتاب الدم ونفتح صفحة بيضاء.

لكن أي بياض هذا الذي يُكتب فوق ركام من العظام؟

كيف يطالبنا من كان يملأ جريدته بصور المقاوم “حسن نصر الله” أثناء حرب تموز 2006، أن نغفر لآلة الإجرام الصهيونية؟

كيف لمن زين غلاف صحيفته بصورة “تشي جيفارا”، رمز التمرد على القهر، أن يطلب منا اليوم أن نغض الطرف عن من غمسوا سيوفهم في دمائنا ودنسوا أرضنا؟

ومن قال للكاتب الكبير إن المصريين نسوا دنشواي؟

من قال له إنهم نسوا مذبحة 25 يناير؟

ومن قال إنهم تناسوا مليونا ونصف المليون مصري جرى خطفهم في فيالق السلطة إبان الحرب العالمية الأولى؟

هذا الشعب الذي وضع الحجر على بطنه أيام المحن، لم ينسَ، ولن ينسى.

وإذا كان الكاتب الكبير يرى أن علينا أن نغفر لأن الجرائم المذكورة مضى عليها زمن، فكيف نقنع أبناءنا أن يغمضوا أعينهم عن الدم النازف الآن في غزة؟

كيف نقول لهم إن هؤلاء الأطفال الذين يقتلون منذ عامين ليسوا إخوتكم؟

كيف نُقنعهم أن يعتادوا مشهد المجازر كأنها خبر عابر في نشرة المساء؟

هذا هو ما يريده العدو منا. أن ننسى كي نصبح نسخة مشوهة من ذواتنا، بلا ذاكرة، بلا وجدان.

لكن الذاكرة هي التي تُبقي الأمم حية، وهي التي تمنحنا القدرة على الصمود، وعلى الغفران حين نقدر وحين نختار نحن لا حين يُفرض علينا.

إن المسامحة لا تُولد من الضعف، بل من القوة، ولا تأتي قبل القصاص، بل بعده

كي نسامح، علينا أولًا أن نأخذ بثأرنا،أن نرد الكرامة المهدورة، أن نعيد للدم حقه في الذاكرة، ثم بعدها فقط، يمكن أن نفكر في معنى الغفران.

وسيظل دم أطفال بحر البقر ولبنان وسوريا وغزة شاهدًا لا يموت، وقد يوقع الساسة أوراق السلام، لكن الشعوب وحدها تعرف أن الدم لا يمحى بالحبر.

فما زال بيننا وبين إسرائيل بحر من الدم لم يجف، وما زالت أرواح الشهداء ترفرف فوقنا تذكرنا بالعهد، لن ننسى.. ولن نغفر.

ولم أجد أنسب مما قاله الشاعر الكبير “أمل دنقل” في رائعته “لا تصالح” وكأنه يرد على الكاتب الكبير..

هل يصير دمي -بين عينيك- ماء؟

أتنسى ردائي الملطخ بالدماء؟

تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرزة بالقصب؟

إنها الحرب

قد تثقل القلب

لكن خلفك عار العرب

لا تصالح

ولا تتوخ الهرب..

شارك

اقرأ أيضًا

شارك

الأكثر قراءة

2758890_0
ليس ترامب.. نوبل للسلام تذهب إلى الفنزويلية ماريا كورينا
قفغفا
إعمار غزة.. من يأكل الكعكة؟
images - 2025-10-10T112921
الديوك الفرنسية في اختبار جديد أمام أذربيجان لحسم الصدارة مبكرًا
Screenshot_20251010_111427
إعلام عبري: الجيش الإسرائيلي ينسحب من عدة مناطق في غزة

أقرأ أيضًا

IMG-20251008-WA0239
مسرح الديمقراطية.. والحقوق المسروقة
IMG-20251007-WA0087
أيها الكاتب الكبير: لن ننسى
IMG-20251006-WA0079
كرة الثلج تتدحرج.. دروس معركة اعتصام "الوفد"
IMG-20250926-WA0057
الحياة السياسية بين الناخب والمرشح