لا زالت ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق المتهمين والحريات وقضايا تلامس الحياة اليومية للمواطنين، تقف على المحك، حتى بعد عودة مشروع قانون الإجراءات الجنائية.
ضمانات نجاح الإجراءات الجنائية
يطالب حقوقيون وسياسيون بحوار مجتمعي حقيقي وواسع قبل إقراره، لضمان قانون متوازن يحمي المواطنين ويصون العدالة.
يرى المحامي مالك عدلي أن نجاح مشروع قانون الإجراءات الجنائية لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حوار واسع يشمل جميع المتخصصين، مؤكدًا أن القانون ليس مجرد قانون تنظيمي، بل يُطلق عليه أحيانًا “الدستور الثاني”، مما يجعله بحاجة إلى مناقشة موسعة.
وأضاف عدلي أن البرلمان الحالي لن يتمكن من مناقشته بشكل شامل خلال الشهرين أو الثلاثة المقبلة، مشيرًا إلى أن الحكمة تكمن في تأجيل أو إعادة طرح النقاش حتى انعقاد البرلمان الجديد، ليكون المواطنون على دراية بما يقدمه النواب قبل الانتخابات المقبلة.
وأوضح عدلي أن ما يُشاع عن التزام البرلمان بمناقشة اعتراضات رئاسة الجمهورية فقط على المشروع، ليس صحيحًا، حيث يمكن للمجلس مناقشة أي بند وتعديل أي مادة حسب الحاجة.
ولفت إلى أن ترويج هذه الفكرة قد يكون مضللًا للمواطنين ويخلق شعورًا زائفًا بأن الأمور ستُحل بسهولة، مؤكدًا أن الحل الحقيقي هو إعداد نموذج متوازن للقانون بعد حوار شامل مع المتخصصين والنقابات التي أبدت اعتراضات واسعة، مثل نقابة المحامين ونقابة الصحفيين، إضافة إلى خبراء مستقلين وقضاة.
وأشار عدلي إلى أن الهدف من هذا الحوار هو الوصول إلى قانون يحقق ضمانات للمحاكمة العادلة، ويصون حقوق المواطنين أمام سلطات الضبط وإنفاذ القانون، ويضمن حقوق المحامين في ممارسة عملهم بحرية وحصانة، كما يحمي الصحفيين خلال تغطيتهم لوقائع الجلسات ونقل الأخبار المتعلقة بالقضايا المختلفة.
كما أكد أهمية مراعاة التطور التكنولوجي، موضحًا أن أي قانون لا يأخذ بعين الاعتبار هذا التطور سيكون مجحفًا وظالمًا.
وقال سيد الطوخي، رئيس حزب الكرامة، إن ضمان نجاح مشروع قانون الإجراءات الجنائية وتحقيق ما يُرجو منه يتطلب مراعاة البنود الأساسية التي طالبت بها القوى السياسية المعارضة أثناء الحوار الوطني.
وأوضح أن أبرز هذه البنود كان تقليص مدة الحبس الاحتياطي إلى ستة أشهر، بدلاً من سنتين كما كان معمولًا في القانون القديم، مؤكدًا أن هذا البند كان الأهم إلى جانب بعض المواد المتعلقة بحقوق المحامين والقضاة، والتي لم يراعها القانون الصادر.
وأشار الطوخي إلى أن مشروع القانون، رغم تفصيله في بعض المواد، تم إعادة إرجاعه لمجلس النواب، ما يدل على وجود نقاط تحتاج إلى مراجعة دقيقة قبل إقراره نهائيًا.
وأضاف: نأمل أن يراعي المشرع هذه التعديلات الجوهرية بعد عودته من رئيس الجمهورية، رغم شكوكنا حول كيفية تعامل البرلمان الحالي مع القانون، نظرًا لما اعتدنا عليه من تطبيق الإجراءات كما يُملى عليه في السنوات الأخيرة.
وأكدت دكتورة كريمة الحفناوي، الكاتبة والقيادية بالحزب الاشتراكي المصري، أن ضمان نجاح مشروع قانون الإجراءات الجنائية وتحقيق المرجو منه يتطلب إعادة مناقشته في حوار مجتمعي موسع يشمل جميع الفئات الاجتماعية في مصر.
وأوضحت الحفناوي أن هذا الحوار يجب أن يشمل المنظمات الحقوقية، ممثلي الشعب، الأحزاب، منظمات المجتمع المدني، النقابات، والمجالس النيابية، مشددة على أن أي قانون لا يُناقش مجتمعيًا قبل إصداره لا يمكن أن يحقق العدالة المنشودة.
وأضافت أن الضغط الشعبي كان أحد الأسباب الرئيسة لإرجاع القانون إلى البرلمان من قبل رئيس الجمهورية، مشيرة إلى وجود عوار دستوري في المشروع، إذ لم يُعرض على المحكمة الدستورية للتأكد من توافق جميع مواده مع الدستور، كما لم يشمل نقاشًا مجتمعيًا واسعًا قبل إقراره.
وأكدت الحفناوي أن بعض البنود كانت تنتقص من حقوق المتهمين، حرمة المساكن، وضمان وجود محامي أثناء التحقيقات، كما أن مدة الحبس الاحتياطي الطويلة – حتى 24 شهرًا في بعض الحالات – كانت مخالفة للمواثيق الدولية، في حين أن الحل يتمثل في تقليص مدة الحبس الاحتياطي إلى 3 إلى 6 أشهر مع تبرير قانوني واضح.
وأشارت إلى أن القانون يحتاج أيضًا لمراجعة بنود درجات التقاضي والرسوم القضائية المرتفعة التي تحول دون وصول المواطنين الأقل دخلًا إلى العدالة، مؤكدة أن أي مشروع قانون جديد يجب أن يضمن محاكمة عادلة ومنصفة ويصون حقوق المواطنين أمام السلطات، مع مراعاة دستوريته ومناقشته مجتمعيًا قبل الإصدار النهائي.
وكانت بعض المنظمات الحقوقية أوضحت في بيان مشترك سابقا، أن مشروع القانون، الذي بدأ البرلمان مناقشته في أغسطس 2024 وأُقر في أبريل الماضي، كان من الممكن أن يُرجع منظومة العدالة الجنائية المصرية عقودًا إلى الوراء، مؤكدة على ضرورة مراعاة التوازن بين حماية الدولة وحقوق الأفراد لضمان تحقيق عدالة حقيقية.