أثناء جولاتي الانتخابية اليومية وخلال متابعتي الشخصية لتعليقات المتابعين على السوشيال ميديا، هناك دائما سؤال يجتمع عليه الكثير من المواطنين والأصدقاء، وهو ما جدوى العملية الانتخابية إذا كانت نتائجها شبه محسومة والأغلبية مضمونة لأحزاب الموالاة؟ وكيف يمكن أن تكون هذه الانتخابات فرصة حقيقية للتغيير لا مجرد إجراء شكلي؟
الانتخابات ليست مجرد صور لحشود مصطنعة أو صناديق اقتراع أو أوراق مطبوعة أو إعلان نسبة مشاركة لا تعبر عن الواقع الذي يعلمه المواطنون، بل هي عملية سياسية واجتماعية تعكس إرادة الناس وقدرتهم على التأثير في مستقبل بلدهم، إذا أردنا انتخابات “بجد”، فعلينا أن نتعامل معها باعتبارها مسؤولية مشتركة بين الدولة، والأحزاب، والمجتمع المدني، والمواطنين أنفسهم.
لا ينكر أحد أن هناك رفضا واسعا لقانون الانتخابات ونظام القائمة المطلقة، كما أن أحزاب المعارضة أعلنت مشاركتها في انتخابات النظام الفردي ومقاطعة انتخابات القائمة المطلقة.
الرسالة الأولى، أن وجود إشراف قضائي كامل وشفافية في إجراءات التصويت والفرز يبعث الثقة في النتائج، وهذا لن يحدث إلا بإجراء الفرز في وجود عدد كافٍ من المرشحين وممثليهم وتسليم المرشح صورة من نتائج الفرز لكل صندوق انتخابي، كما أن إتاحة الرقابة للمجتمع المدني والإعلام المستقل تضيف طبقة من المصداقية.
ومن هنا يبرز الدور الحاسم للهيئة الوطنية للانتخابات، فهي المسؤولة عن تنظيم العملية برمتها، ومطلوب منها أن تتخذ خطوات عملية لوقف استخدام المال السياسي، عبر مراقبة الإنفاق الانتخابي بدقة، وفرض عقوبات رادعة على أي مرشح يتجاوز سقف الدعاية الانتخابية لتحقيق العدالة بين المرشحين.
إن شراء الأصوات واستخدام النفوذ المالي يفرغان العملية الانتخابية من مضمونها، وهنا يأتي دور القوانين الصارمة والرقابة المستمرة، لكن الأهم هو الإرادة في التنفيذ، دور الهيئة الوطنية للانتخابات، عبر متابعة مصادر التمويل، والإفصاح عن ميزانيات الحملات، ومنع أي تجاوزات، لضمان تكافؤ الفرص بين المرشحين.
نزاهة الانتخابات ليست رفاهية، بل هي الطريق الوحيد لبناء استقرار حقيقي ومستدام، ومن مصلحة النظام والوطن معاً أن يكون البرلمان المقبل مرآة صادقة لإرادة الشعب.
الرسالة الثانية إلى المرشحين في الانتخابات المقبلة لأنهم العمود الفقري لأي تجربة ديمقراطية، إن التحدي الحقيقي يكمن في تطوير برامج واقعية تعالج مشاكل الناس اليومية: التعليم، الصحة، الاقتصاد، البطالة، والعدالة الاجتماعية. بدلاً من الاكتفاء بالشعارات الفضفاضة أو الوعود المؤقتة، وأن ينزل إلى الشارع للاستماع للناس لا لإلقاء الخطب فقط.
الرسالة الثالثة إلى الناخب، الشارع السياسي المصري به فئتان من المواطنين، الفئة الأولى وهي الأكبر عددا ممن يرفضون المشاركة في العملية الانتخابية وفي بعض التقديرات هذه النسبة تصل إلى 90% من الناخبين، هؤلاء لا يجذبهم المال السياسي للمشاركة في الانتخابات وهؤلاء قادرون على حسن اختيار المرشح الجدير بتمثيلهم والدفاع عن مصالحهم ولكنهم في داوئر عديدة لا يجدون هذا المرشح كما أنهم لا يثقون في نتيجة العملية الانتخابية، ولكني أناشدهم وأذكرهم أن المشاركة واجب خاصة إذا كان هناك مرشح يستحق الدعم وأن التغير ممكن جدا عندما تكون نسبة المشاركة كبيرة جدا وعصية على أي شكل من أشكال التلاعب أو التأثير على إرادة المواطنين ونتيجة الانتخابات.
وهناك نماذج تاريخيّة في دول العالم وفي مصر، كانت فيها بداية التغير بالمشاركة الواسعة في الانتخابات.
وإلى الفئة الثانية، وهي الأقل عددا ولكنها الأكثر مشاركة في كل استحقاق انتخابي لأنها الفئة التي أفقرتها سياسات الحكومة وأصبحت لا تجد تعليما أو صحة أو وظيفه أو مسكنا، هذه الفئة من أهلنا وناسنا تحتاج من جميعا إلى توعية بأهمية وضرورة اختيار المرشح الذي يرغب في خدمتهم لوجه الله والوطن 5 سنوات وليس المرشح الذي يشتري أصواتهم لتحقيق مصالحه الشخصية، وهذه التوعية لن نجدها في الإعلام ولكنها واجب وفرض عين على كل مواطن مصري.
الرسالة الرابعة إلى النظام السياسي في مصر
إن البرلمان بلا معارضة حقيقية تعبر عن إرادة المصريين يتحول إلى قاعة تصفيق، وجود أصوات معارضة حقيقية يضمن النقاش الجاد حول القوانين والسياسات، ويمنع الانفراد بالقرار. المعارضة ليست خصومة، بل شريك ضروري في تحقيق التوازن والمحاسبة. برلمان قوي هو الذي يضم مختلف التيارات، ويعكس التعددية الحقيقية للمجتمع، بما فيها التيارات الشبابية والنسائية والعمالية.
في برلمان 2015 كان هناك تكتل 25 – 30 البرلماني وكانت تجربة جديدة وثرية في الحياة السياسية المصرية، مجموعة صغيرة من نواب شباب يحوسون التجربة للمرة الأولى أصابوا في مواقف كثيرة وشهد الجميع على وطنيتهم وحبهم ودفاعهم عن أمن وسلامة مصر وحقوق ومطالب المصريين.
ماذا يضير النظام السياسي من وجود معارض حقيقي في البرلمان بما يساوي أقل من 17% من أعضاء مجلس النواب؟، المعارضة تملك القوة في كشف أخطاء الحكومة ولكنها لاتملك بمفردها تصحيح هذه الأخطاء، المعارضة تملك الشجاعة لرفض قوانين ظالمة ولكنها لا تملك إيقاف تمرير هذه القرارت بمفردها، هذا حال المعارضة في كل دول العالم، لكن المؤكد أن النظام السياسي يكون قويا في وجود معارضة حقيقية قوية، وأن الاستقرار السياسي يرتبط بوجود معارضة قادرة عن التعبير عن معاناة ومشاكل ومطالب وحقوق المصريين والدفاع عنها طبقا للدستور والقانون والحفاظ علي سلامة وامن واستقرار الوطن وهي تعلم جيدا دورها الوطني في الوقوف يدا واحدة مع الدولة وأجهزتها للدفاع عن أي خطر أو تهديد يمس مصر وشعبها وترابها.
إن إجراء انتخابات نزيهة وشفافة ليس مطلب المعارضة فقط، بل هو في المقام الأول مصلحة للنظام السياسي نفسه ولمستقبل الوطن ككل.
فالبرلمان القوي الذي يضم تمثيلاً حقيقياً لمختلف التيارات التي تلتزم بالدستور والقانون، بما في ذلك المعارضة، يخلق حالة من التوازن والمحاسبة، ويمنح الشرعية للقرارات والسياسات.
إن تهميش الأصوات المختلفة أو الاكتفاء بمشهد برلماني صوري قد يحقق هدوءاً مؤقتاً، لكنه على المدى البعيد يضعف ثقة الناس في المؤسسات، ويزيد الفجوة بين الدولة والمجتمع.
بينما الانتخابات الحقيقية تمنح النظام قوة مضاعفة، لأنها تفتح المجال للمشاركة الشعبية، وتخلق برلماناً قادراً على التعبير عن هموم الناس، وتساعد الدولة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بظهر قوي وشرعية راسخة.
أخيرا، الانتخابات ليست هدفاً بحد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق تمثيل عادل وإدارة رشيدة لشؤون الدولة، ذا اجتمعت الإرادة السياسية مع وعي المجتمع، وإذا أدركنا جميعا أن المشاركة الفعالة هي الطريق الوحيد للتغيير، عندها فقط يمكن أن نقول إنها انتخابات بجد وليست مجرد طقس سياسي متكرر.