كانت ولا زالت مدينة “دمياط” قلعة صناعة الأثاث سواء على المستوى المحلي أو المستوى العالمي، رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها تلك الصناعة العريقة، دائماً ما اشتهرت دمياط بمدينة “الأصابع الذهبية”، نظراً لإتقان أبنائها منذ قديم الأزل حيث حولت أصابعهم الخشب الأصم إلى لوحات فنية مُبهرة تلك الحرفة لم تكن وليدة اللحظة ولكن هي بمثابة تراث توارثه أهل دمياط على مدار التاريخ، لكن المشهد اليوم يكشف عن أزمات تهدد مصير الآلاف من الأسر في تلك المدينة العريقة.
بداية الأزمة
يقول” أحمد زقزوق” صاحب ورشة نجارة: كنا ملوك الصنعة، أما الآن ما فيش شغل حيث اضطرتُ إلى العمل في إحدى ورش النجارة في القاهرة، وهو أمر غير معتاد علينا نحنُ الدمياطة، حيث كنا في السابق نستقبل العمالة من جميع أنحاء الجمهورية، أما الآن أصبحنا نعمل لدى الغير وهو أمر غير مقبول
واردف قائلاً: إن ذلك التدهور له عدة أسباب فالأزمة تبدأ من غلاء الخامات. فالأخشاب المستوردة، وعلى رأسها الزان والبياض والابلكاش، تضاعفت أسعارها بشكل غير مسبوق، لتجد الورش الصغيرة نفسها عاجزة عن شراء ما تحتاجه. الصناع الصغار الذين شكّلوا دائماً العمود الفقري للصناعة، صاروا الآن أسرى للتجار الكبار الذين يتحكمون في السوق ويبيعون الخشب بأسعار تفوق قدرتهم. هذا الوضع دفع بعض الورش إلى الإغلاق أو تسريح العمالة، بما يهدد بفقدان مهارات متوارثة عبر أجيال.
المنافسة الشرسة
على جانب آخر، يقول “طارق علي” صاحب معرض للأثاث الجاهز ، إن أكبر أزمة نواجهها نحن أصحاب المعارض هي عملية “التسويق”، المعارض أصبحت تعاني من الركود، والمنتج المحلي ما زال غير قادر على الوصول إلى الأسواق العالمية
كما أوضح أن المنافسة أصبحت شرسة خصوصاً بعد دخول المنتج الصيني والتركي إلى السوق المصريو، فالمنتج المستورد نجح في جذب المستهلك بسعر أقل من المنتج المحلي إلى جانب أن التصميم أصبح أكثر عصرية. وبينما تطوّرت الأسواق العالمية لتتجه نحو الأثاث الذكي والمستدام، بقى كثير من الورش الدمياطية أسيرة الأساليب التقليدية دون تحديث كافٍ في التصميم أو طرق العرض.
بين الحرفة التقليدية والصناعة العالمية
منذ تدشينها في ديسمبر 2019، أصبحت مدينة الأثاث الجديدة بدمياط مشروعاً استراتيجياً حيويا يستهدف نقل صناعة الأثاث من إطارها التقليدي إلى صناعة متطورة قادرة على المنافسة العالمية، حيث تبلغ مساحة المدينة 331 فداناً بمنطقة شطا، وتضم أكثر من 1,300 ورشة صغيرة ومتوسطة، إلى جانب مصانع كبرى بمساحات تصل إلى عشرة آلاف متر، ما يجعلها أكبر منطقة متخصصة للأثاث في الشرق الأوسط.
وتضم المدينة مركزاً تكنولوجياً للأثاث يقدم خدمات متقدمة مثل اختبارات الجودة، دراسات تسويقية، ودعم التصدير، إضافة إلى معرض “مول مصر للأثاث” الذي يُعد أكبر صالة عرض للأثاث بالشرق الأوسط. كما جرى تجهيزها بجهات خدمية متكاملة تشمل بنك ، قسم شرطة، محطة إطفاء، ووحدات طبية، لتقليل تكاليف الإنتاج وتسهيل بيئة العمل.
مدينة الأثاث الجديدة
في هذا السياق أكد “محمد الشبراوي” عضو اتحاد غرفة الأثاث أن مدينة الأثاث الجديدة فشلت في العديد من الجوانب أبرزها الافتقار إلى عنصر الإستقرار، فالدمياطي تعود منذ القدم على أن يمتلك الورشة التي يعمل بها، حيث أغلب الورش في السابق كانت جزء من المنازل التي يقطن بها أغلب الحرفيين وهو ما كان يمثل عامل من عوامل الإبداع التي تميز بها الدمياطي عن غيره.
كما أشار إلى معاناة صغار الحرفيين من إرتفاع أسعار الوحدات مما يمثل عبئا ثقيلا عليهم في تحمل تكلفة الشراء أو الإيجار.
واردف قائلاً إن “البيروقراطية ” تُعد من أبرز العيوب التي واجهت الصناع من جهة استخراج التراخيص.
كما أشار إلى شكوى الكثير من الصناع من ضعف البنية التحتية والمرافق وصعوبة الوصول إلى المدينة في بعض الأحيان.