لا زالت إثيوبيا تُصر على كتابة صفحات أحادية في القرار والتصرفات في إدارة وتشغيل سد النهضة، بالمخالفة لدولتي مصر والسودان، ما نتج عنه مشاهد تداولها مستخدمون على صفحات السوشيال ميديا وثقت الأضرار التي لحقت بالبلدين. من جانبهما تدخل مصر والسودان في عِقد دائري؛ يبدأ بالتنديد فالشكوى، ثم التهديد. وتعود الدائرة، أمام انفراد إثيوبي بسد النهضة.
“القصة” ناقش خبراء الموارد المائية والقانون الدولي والدبلوماسية المصرية، الذين أقروا بالمخالفات الإثيوبية لجميع القوانين والأعراف الدولية، مضيفين أن مجلس الأمن والأمم المتحدة هي المحطات القادمة للدبلوماسية المصرية للتقاضي، مشيرين إلى أن التصعيد الدبلومسي لن يتوقف حتى عدول إثيوبيا عن مواقفها الأحادية.
شكوى
بدوره، يقول المستشار حسن أحمد عمر، الخبير في القانون الدولي، إن البنك الدولي يتابع تطورات أزمة السد منذ بدايتها، وكان من الواجب على مصر والسودان تقديم شكوى رسمية إليه لكونه الجهة التي أشرفت على المفاوضات الأولى، مضيفاً أن هناك اتفاقاً قانونياً كان يفترض احترامه من قِبل الدول الثلاث، لكن إثيوبيا رفضت الالتزام به.
وأوضح “عمر”: أن ما حذرت منه مصر قد تحقق بالفعل، مما يترتب عليه مسؤولية قانونية مباشرة على إثيوبيا تستوجب التعويض عن الأضرار والخسائر التي لحقت بمصر والسودان، مؤكداً أن المنصة القانونية الأولى للنظر في الشكوى هي البنك الدولي، باعتباره طرفاً مشرفاً منذ البداية، تليها إمكانية اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لاعتبار التصرفات الإثيوبية تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
مخالفة القانون الدولي
وأضاف، أن الأحادية في إدارة وتشغيل السد تخالف مبادئ القانون الدولي والاتفاق الإطاري الموقع عام 2015، داعياً مصر والسودان إلى تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية، على أن يتولى الفريق القانوني المطالبات بالتعويض، مع التأكيد على ضرورة الإدارة المشتركة للسد بين الدول الثلاث.
ومن جانبها، أكدت السفيرة منى عمر، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون الإفريقية، أن مصر تتبنى منذ سنوات نهجاً دبلوماسياً متدرجاً لتصعيد الأزمة مع إثيوبيا، مشيرة إلى أن القاهرة رفعت القضية إلى مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، كما طرحتها في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.
آلية التصعيد الدبلوماسي للالتزام بالقانون الدولي
وأضافت: أن مصر استغلت كل المحافل الدولية والإقليمية، وقدمت مذكرات رسمية متعددة، مع التواصل المستمر مع دول حوض النيل والدول العربية ذات الاستثمارات في إثيوبيا لشرح الموقف المصري وكسب التأييد الدولي.
وشددت السفيرة، على أهمية استمرار التصعيد الدبلوماسي كأداة ضغط على الحكومة الإثيوبية لإجبارها على الالتزام بالقانون الدولي ووقف تصرفاتها الأحادية، مؤكدة أن التنسيق مع السودان قائم على أعلى المستويات، من خلال لجان واجتماعات مشتركة بين وزارتي الخارجية والري، لتوحيد الخطاب وتوثيق الأضرار، تمهيداً لأي تحرك دولي مشترك.
أحادية السد فاقمت الأزمة
أكد الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري الأسبق، في تصريحات خاصة لـ”القصة”، أن سد النهضة قد يكون أحد الأسباب التي أدت إلى زيادة التصرفات المائية خلف السد العالي، غير أن السبب الرئيسي وراء الفيضانات الأخيرة التي شهدتها بعض المناطق يعود إلى مخالفات المواطنين والتعديات الجائرة على مجرى نهر النيل.
مضيفًا، بأن سوء تشغيل سد النهضة من جانب إثيوبيا وعدم مراعاة مصالح دولتي المصب (مصر والسودان) ساهم في تفاقم المشكلات المائية التي واجهتهما، لافتاً إلى أن إثيوبيا استغلت الوضع الإقليمي وربما بدعم خارجي للضغط على مصر وزعزعة استقرارها باعتبارها دولة محورية في المنطقة.
ويشرح علام لـ “القصة”: أن تلك التعديات تسببت في انخفاض سعة فرع رشيد بنحو 70% من إجمالي سعته، وهو ما يشكل خطراً على الأمن القومي المصري، مشيراً إلى أن وزارة الري تكتفي بتحرير مخالفات دون تنفيذ قرارات الإزالة، وأن هذه التعديات منتشرة على امتداد النهر من أسوان حتى البحر المتوسط.
وأشار الوزير الأسبق إلى أنه سبق أن طالب خلال فترة توليه الوزارة بضرورة التعامل الحاسم مع هذه الظاهرة، إلا أن الأوضاع لم تتغير حتى اليوم، داعياً إلى مناقشة الملف على مستوى مجلس الوزراء، وتنسيق الجهود بين الوزارات المعنية لحماية مجرى النيل والحفاظ على حياة المواطنين.
وشدد على ضرورة احترام نهر النيل وتقدير قيمته التاريخية والحضارية، قائلاً: “الفراعنة كانوا يقدسون النيل، واليوم علينا أن نحترمه ليحترمنا بدوره”، مضيفاً أن مصر بحاجة إلى مجارٍ بديلة لتصريف المياه الزائدة وقت الطوارئ، بما يحمي المواطنين من أخطار الفيضانات.
بيان وزارة الري
جدير بالذكر، أن وزارة الري والموارد المائية، أصدرت بيانا بشأن تطورات فيضان نهر النيل لهذا العام، وما ارتبط به من تصرفات أحادية متهورة من جانب إثيوبيا في إدارة سدها غير الشرعي المخالف للقانون الدولي.
ووصفتها بالممارسات تفتقر إلى أبسط قواعد المسؤولية والشفافية، وتمثل تهديداً مباشراً لحياة وأمن شعوب دول المصب، كما تكشف بما لا يدع مجالاً للشك زيف الادعاءات الإثيوبية المتكررة بعدم الإضرار بالغير، وتؤكد أنها لا تعدو كونها استغلالاً سياسياً للمياه على حساب الأرواح والأمن الإقليمي.
ويضيف بيان وزارة الري: لقد تسببت الإدارة الأحادية وغير المسؤولة للسد الإثيوبي في تغيير مواعيد الفيضان الطبيعي – الذي تحدث ذروته عادة في أغسطس – وإحداث “فيضان صناعي مفتعل” أكثر حدة وقوة في وقت متأخر من العام (جزء من شهر سبتمبر).
ويكمل: كما أن هذا التصرف العبثي وغير المنضبط، والذي لا هدف له سوى “الاستعراض الإعلامي والسياسي”، قد ألحق خسائر فادحة بالسودان الشقيق وفقاً لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، مهدداً حياة ومقدرات شعبي دولتي المصب. ومصر كانت قد حذرت مراراً من أن وجود سد يخزن 74 مليار م³ بشكل مخالف للقانون الدولي ودون اتفاق قانوني ملزم، وفي ظل هذه العشوائية والعبث في الإدارة، يمثل خطراً دائماً ومستمراً على دولتي المصب خلال فترات الجفاف وفترات الفيضان.
