رغم الزخم الدبلوماسي الذي أحاط بقمة السلام بمدينة شرم الشيخ، وما حملته من رسائل مباشرة نحو وقف الحرب وإحياء مسار حل الدولتين، إلا أن الغياب اللافت لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن القمة فتح الباب واسعًا أمام التساؤلات حول أسبابه الحقيقية، خصوصًا في ظل تضارب المواقف الإسرائيلية والمعلومات المسربة من العواصم المشاركة.
بين مخاوف قانونية، وضغوط دبلوماسية، واعتبارات داخلية في تل أبيب، تباينت التحليلات حول ما إذا كان الغياب قرارًا اضطراريا أم هروبًا من مواجهة دولية محتومة
فخ استدعائه إلى مصر ثم القبض عليه
قال الدكتور أحمد فؤاد أنور، المتخصص في الشأن الإسرائيلي، إن نتنياهو خشي من أن يكون هناك فخ في استدعائه إلى مصر ثم إلقاء القبض عليه، ربما نتيجة ضغوط شعبية، أو مراجعات قانونية، أو حتى تدخل من بعض رؤساء الوفود المشاركة في المؤتمر، وهناك حديث عن تهديد بعضهم بالانسحاب، وهذه أمور تُوضع في الحسبان بجانب طبيعة التأمين.
وأضاف أن طبيعة التأمين في مثل هذه القمم أمر بالغ الصعوبة، فنتنياهو مجرم حرب وملاحق من المحكمة الجنائية الدولية، ووجوده وسط عناصر تأمين من جنسيات مختلفة في نفس البقعة في شرم الشيخ يُعد مغامرة حقيقية، خصوصًا بعد الجرائم التي توقفت مؤقتًا فقط.
وتابع أعتقد أنه تذرع بالأعياد رغم أنه شخص اعتاد انتهاكها مرارًا حينما شعر بأن هناك حدثًا يمكن أن يُنسب إليه الفضل فيه، خاصة بعد استعادة الجثامين من قطاع غزة أو ما يشبهها من إنجازات تافهة، في مقابل خسارة جيش الاحتلال أكثر من 900 من عناصره حسب الأرقام الرسمية.
وأشار د. أنور إلى أن هذا التخوف كان مرتبطًا أيضًا بتقديرات مصرية دقيقة، حيث تم تلبية العديد من المطالب المصرية، خاصة بشأن حضور الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، وكتابة اسم فلسطين أمام الوفد القادم من غزة ومن بطر، وهي أمور تُحسب لمصر سياسيًا.
وأكد بأن القرار المصري في النهاية كان بعدم استقباله وعدم تلبية الدعوة التي صدرت من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البداية، إذ كانت هناك محاولة لاستقدامه على نفس الطائرة القادمة من إسرائيل إلى شرم الشيخ، لكن هذا المسار واجه اعتراضات كثيرة، وربما كان تنفيذه سيفجر القمة بالكامل.
وأضاف موضحًا: نتنياهو يبحث الآن عن العفو الداخلي والإفلات من العقاب، الرئيس ترامب دردر مشاعره، أو بالأحرى قدم له ثمن وقف الحرب في صورة وعود سياسية، لكنه يظل ملاحقًا؛ فالجرائم لا تسقط بالتقادم، ولا تُغلق ملفاتها بطلب عفو داخلي، لأن رئيس الدولة في إسرائيل وحده يملك سلطة العفو، وهذا مشروط باعتراف الجاني بالجريمة، أما خارجيًا، فالملف مفتوح، ومجال المناورة أمام نتنياهو سيظل محدودًا للغاية.
وتابع “أنور”: لا توجد أنباء مؤكدة، أن اسبانيا وماليزيا وباكستان والنرويج وتركيا هددوا بالانسحاب ولكن ربما هددت بالانسحاب بتنسيق مع مصر، فالقاهرة لم تكن ترغب في استقباله، لكنها أعطت الأولوية لإنهاء العدوان وتثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه، وإنهاء معاناته، والبحث عن حق تقرير المصير والانطلاق نحو أفق سياسي ينتهي بقيام الدولة الفلسطينية، أعتقد أن مصر تعاملت بذكاء وحكمة وانتزعت ما أرادت في النهاية.
الملاحقة الدولية والعزلة السياسية وراء الغياب
من جانبه، قال الدكتور ياسر شويتة، المتخصص في الشأن الإسرائيلي، إن “هناك أكثر من سبب لغياب نتنياهو عن قمة السلام بمدينة شرم الشيخ – مدينة السلام، أولها صدور مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحقه نظير ما ارتكبه من جرائم حرب وإبادة جماعية في قطاع غزة”.
وأضاف بأن السبب الثاني داخلي في إسرائيل، مرتبط باليهود الحريديم المتشددين داخل الدولة العبرية ورفضهم لأي سلام، أما الثالث فمرتبط بإعلان مكتب نتنياهو أن عدم الحضور مرتبط بالأعياد اليهودية، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بموقف العديد من الدول في الشرق الأوسط التي ترفض التعامل معه نظرًا لما اقترفه من جرائم حرب في غزة.
وأكد شويتة، أن حضور نتنياهو كان سيضعه في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي؛ إذ كانت قمة شرم الشيخ ستطالبه بالتوقيع على وثيقة تتضمن حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، إلى جانب وقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة أمام أنظار العالم أجمع.
وتابع: إضافة إلى ذلك، فإن الملاحقة الدولية الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية كانت ستمثل عبئًا كبيرًا على الترتيبات الأمنية، وربما تعرض القمة لخطر الإحراج الدبلوماسي أو حتى الانفجار السياسي.
وأشار إلى أن هذه الملاحقة ستؤثر على نتنياهو سياسيًا ودبلوماسيًا، وتعني عزله دوليًا، بل وعزلة إسرائيل نفسها عن المجتمع الدولي، في وقت تتزايد فيه الإدانات الأوروبية لجرائم الحرب في غزة.
وأضاف شويتة، بأن قمة شرم الشيخ، بحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبرعاية مصرية مباشرة، ومشاركة أكثر من عشرين رئيس دولة من أوروبا وآسيا والعالم العربي، تمثل ضمانة لتحقيق السلام في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد الرئيس الأمريكي أن السلام سيعم منطقة الشرق الأوسط.
واختتم قائلاً: الجهود المصرية الكبيرة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في دعم القضية الفلسطينية وإنجاح المؤتمر تعكس الثقل السياسي المصري في المنطقة، وتؤكد أن مصر ستظل دائمًا داعمة للأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.
ذكاء مصري وقلق إسرائيلي
تتلاقى روايات الخبراء في نقطة جوهرية واحدة: أن القاهرة أدارت المشهد بذكاء دبلوماسي نادر، فبينما كانت توازن بين ضغوط الدول المشاركة ومقتضيات الأمن الإقليمي، نجحت في انتزاع ما أرادت من التزامات سياسية تجاه القضية الفلسطينية دون أن تدخل في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
وفي المقابل، بدا نتنياهو محاصرًا بين ماضيه الملطخ بالدماء ومستقبله السياسي الغامض، يخشى أن يتحول حضوره إلى لحظة سقوط أمام العدالة الدولية.
