أثار غياب لجنة تحمل اسم “حرية الصحافة” ضمن اللجان الثمانية المعنية بتطوير الصحافة والإعلام، في المشروع الذي طالب به الرئيس السيسي، تساؤلات واسعة حول مدى إدراك القائمين على المشروع لطبيعة الأزمة التي تعيشها المهنة في مصر.
نقيب الصحفيين الأسبق، يحيى قلاش، أكد أن القضية ليست في الأسماء بقدر ما هي في المضمون، مضيفا: ليس المهم أن تحمل اللجنة اسم حرية الصحافة، بل أن يكون جوهر عملها مرتبطاً بها فعلاً، لأن أساس أي تطوير حقيقي هو حرية الصحافة والإعلام.
يحيى قلاش: نعاني من “ديمقراطية الهوامش”
وأضاف قلاش، أن المسألة ليست بعدد اللجان أو أعضائها، وإنما في الإيمان الحقيقي بحرية الصحافة، موضحاً أن ازمة الصحافة في مصر هي أزمة حرية بالأساس، ولا يمكن أن تزدهر المهنة إلا بوجود هامش من الحرية يتسع ليصبح حرية حقيقية.
وأشار إلى أن بعض الممارسات الحالية تمثل قيودًا على العمل الصحفي، مثل انتظار الصحف المختلفة لإذن بالطباعة من جهة غير معلنة، تتدخل في حذف أو تعديل الصفحات والعناوين، واصفاً هذا الوضع بـ”ديمقراطية الهوامش”.
وشدد نقيب الصحفيين الأسبق على أن تنوع الجمهور يجب أن ينعكس على مضمون الصحف لخلق روح المنافسة التي تضمن رواج الصحافة وزيادة توزيعها، مضيفاً ان نزع الحرية من المهنة أشبه بوضعها داخل “غرفة إنعاش”.
وأكد قلاش أن المشكلة الكبرى تكمن في غياب الإرادة السياسية لإعادة رسالة الإعلام إلى دورها الطبيعي، موضحاً أن تولي السلطة التنفيذية مسؤولية تطوير الصحافة مؤشر سلبي، لأن الإعلام بطبيعته سلطة رقابية لا تنفيذية.
وعن تطوير الصحافة في ظل غياب شرطها الأساسي، لفت إلى أنه لا يمكن تطوير الصحافة في ظل غياب شرطها الأساسي وهو الحرية، واصفاً إياها بأنها “أوكسجين المهنة”، وانه كلما اتسعت مساحة الحرية، انتعشت الصحافة.
وأشار إلى أن أي مشروع لتطوير الصحافة لا يمكن فصله عن المناخ التشريعي والسياسي، مستشهداً بدستور 2014 الذي انحاز لحرية التعبير، لكنه لم يترجم تشريعياً بما يعكس روحه، قائلاً تحولت الهيئات الإعلامية من مستقلة إلى تابعة للسلطة التنفيذية، وتم تجميد مواد مهمة مثل حرية تداول المعلومات.
حنان فكري: أدعو لإصدار قانون حرية تداول المعلومات
ومن جانبها، أكدت الكاتبة الصحفية حنان فكري أن تقييم اللجان لا يجب أن يتوقف عند أسمائها بل عند مضمون مهامها ومعرفه إذا كان هناك تطرق لما يتعلق بحرية الصحافة داخل اللجان، موضحة أن تطوير الصحافة لا يمكن أن ينفصل عن حرية الأداء الإعلامي بكل معانيها.
وقالت عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، إن العالم اليوم بلا حدود والمعلومات تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفة: فمن غير المنطقي أن يتمتع المواطن العادي بحرية تعبير أكبر من الصحفي الذي يحمل بطاقة مهنية، وانتقدت القيود المفروضة على التواصل مع بعض المصادر، مشيرة إلى أن هذا الحظر جعل الإعلام يتجاهل أصواتاً مؤثرة تصل إلى الجمهور عبر صفحاتهم الخاصة، كما لفتت إلى وجود “خطوط حمراء” تدفع الصحفيين ورؤساء التحرير لتجنب موضوعات بعينها خوفاً من المساءلة.
وأضافت فكري، أن القبض أو الاحتجاز على خلفية منشورات أدى إلى اتساع الرقابة الذاتية، ما يضر بحرية الصحافة، مشددة على أن غياب قانون حرية تداول المعلومات يمثل عائقاً أساسياً أمام أي تطوير حقيقي للإعلام.
وحول تشكيل اللجان، تساءلت فكري عن وجود 67 عضواً داخل اللجنة قائلة: إذا كانت الأزمة تحتاج إلى كل هؤلاء، فلماذا تم تقليص الحريات من الأساس؟ مؤكدة أنه لا يمكن تطوير الصحافة دون شرطها الأساسي وهو الحرية.
واختتمت فكري حديثها، بالتأكيد أن أي تطوير للصحافة يجب أن يرتبط بإصلاح المناخ التشريعي والسياسي، داعية إلى إصدار قانون حرية تداول المعلومات، ومراجعة النصوص التي تسمح للسلطة التنفيذية بالتضييق على الصحفيين خلال عملهم.
